الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

إيثار





 

إيثـار

 

تنهض إيثار بحزم
تدفع الحساب
وتغادر المقهى دون ابتسامة
تتساءل في الطريق
ترى..
لم ضعفت أمام الحاحه
لم لم تستمر على رفضها المتواصل
هل غلبها حنينها لإطلالته
أم دفعتها رغبة الحد من الهواجس
عمن تكون تلك المرأة التي اختارها أيقونة لمشاعره
أم أن ذهابها يخفي نية مبطنة
للكشف ان كانت لا تزال روحها كامنة في ديره
تجد نفسها أمام منزل طاهر
تنظر إلى ساعة يدها
تتأكد من وصولها في الموعد
تقرع الجرس
وهي تزفر زفرة حارة
كمن لا يجد مفرا له من المتابعة
تستقبلها زهرة الحامل بمحياها الدافيء
ويحييها طاهر بود ومرح
بعد دقائق
يجلس ثلاثتهم
حول طاولة مستديرة لتناول العشاء
تحادثها زهرة بحميمية
تتودد اليها
أحست ايثار في حضور زهرة
بأنها مجرد شبح تائه
ترى ماذا تفعل زهرة
لو علمت بأنها تجالس طيفا
شبحا أتاها من عالم الذكريات
هل ستفزع
هل ستطرده
وهي هل تكشف عن نفسها
مسكينة زهرة
تبذل جهدا في الاهتمام والترحيب بها
لا تعلم بأنها كابوس
كائن لو علمت مالذي يمثله في حياة طاهر
لما رضيت باستقباله
عند سكون الرنين المعدني لمعزوفة السيراميك
تدعوها زهرة الى الانتقال
من دائرة الترحيب الأولى
إلى مستطيل الاحتفال الثاني
صالة واسعة
تطل على بحر المدى
تجلس إيثار قرب النافذة الواسعة
تلامس أصابعها الزجاج
تأنس لبرودته
تتحدث زهرة إليها
تسألها عن قهوتها
تبتسم إيثار وتجيبها :
- حلوة كحياتك
تضحك زهرة من أعماقها
يتردد صدى ضحكها
كدوي أجراس الكنائس في أذني إيثار
تنسحب زهرة
فيختلي الصمت بكائني الماضي
ينهض طاهر.. وينهض قلبها معه
يقدم لها سيجارة .. وتقدم له غصة قلب
عيناه تحدقان في وجهها .. وعيناها تبحثان عن بقايا ورودها الذابلة
(تتنهد)
لم لم ينتظرها
لم لم تسأله التريث قليلا
لم لم يصبر إلى حين يتمكن قلبها من شفاء جراحه
لم حرمها تلك السعادة
لم لم يستوعب تجربتها ويمنحها ما تحتاجه من وقت
ربما هي المسؤولة أولا وأخيرا
هي التي هربت من حبه
من حدائق عواطفه
هكذا انتهى الماضي
دون أن يعرف طاهر ماذا كان يعني لها
تطبق شفتاها على فلتر السيجارة
وتسبل عيناها على ماض تاه منها
تعزي روحها بسعادته
هاهي تراها .. تلمسها .. تتحسسها
عبق زهرة يفوح في الأرجاء
زهرة طائر سلامه
وأيثار مجرد وردة برية
توخز أشواك ماضيها حاضرها ومن يدنو منها
آثرت سعادته وصفاء أيامه
على خفقات قلبها لحنينه
تعود زهرة بالقهوة
توزع الفناجين
تحاور إيثار أعماقها
تقنعها بالانسحاب
لا بد أن تحسر نفسها عن مد زهرة
هناك عينان جديدتان لطاهر
عينان لهما وحدهما
حق الاشتعال بوميض نظراته
تهدأ روحها رويدا رويدا
تشرب القهوة
كان طعم حلاوتها
يسري مرارة في أحشائها
نعم
جاءتهم كطيف ولا بد أن تعود الى ظلالها
تحثها زهرة على الكلام
تريها ملابس الوليد المرتقب
تؤخذ ايثار
مشاهد ساحرة تعرضها أمامها
تنجرف في تيارها
تنقاد لكلماتها
تعيشها
العينان الجديدتان تأسرانها
تهيمنان عليها
تشارك زهرة شوقها فرحها
حياة جديدة ستولد
ستملأ حنايا قلب بكر
أمومة .. عاشتها سراب مع طفليها
حنان .. ممزق بين ذاتها وبين أطفالها
حب .. جعلها تؤثر سعادة طاهر على سعادتها
إيثار .. جعلها تلوذ بعيدا للجديرة بطاهر
سعادة .. تؤمن بأن طاهر لن يجدها مع أمومتها
تنهار أقنعة إيثار
زمهرير من توق دفين يعتريها
إعصار يداهمها على حين غرة
تسهب بدفق من الكلمات المتوهجة الحارة
في وصف عشقها اللاهث
لكل رضيع .. طفل صغير دونما تحديد
تصر زهرة على ارتباط الحب بأمومة الجنين دون سواه
يتصاعد الحوار
ويزداد الانفعال
تستأذنها زهرة بصورة مفاجئة وتذهب داخلا
يغيب طاهر من أمام إيثار
كانت فقط ترى زهرة وبطنها المكورة
وطيف طائراها يحلقان حولها
يعيدها طاهر إلى وجودها
- قهوتك تكاد تبرد
تخمد العاصفة في داخلها
تنكمش
تشعر بأنها بعيدة .. بعيدة جدا
وكأن البحر جرفها مساحات شاسعة عنه
تأتي زهرة وبيدها ألبوم صور
تنظر الى زوجها بتساؤل لحظته إيثار
ثم تجلس بجوارها
تفتح زهرة الألبوم
الصورة الأولى لطفلة جميلة في الرابعة من عمرها
تقلب زهرة على الصفحة التالية
صورة لصبي ربما في الثانية من عمره
تتوالى الصور أمام عيني إيثار لهذين الطفلين
سألتها إيثار بفضول عندما أغلقت زهرة الألبوم
هل هما أبناء أختك التي رأيت صورتها في الصالة
تصمت زهرة
تطرق برأسها
يناولها طاهر منديلا
تغرقه زهرة بحبات من مطر دموعها
تحضن إيثار يد زهرة دون أن تفهم
ربما كانت من عوارض الحمل تلك الشحنة العاطفية
تتمالك زهرة نفسها
تبتسم بما يشبه الاعتذار
ثم تقول بصوت تخنقه العبرات
- انهم أطفالي ويعيشون مع والدي
لم تفهم إيثار
توضح زهرة
- لا يحق لي أخذهم معي فذلك يتعارض مع قناعة والدهم
صعقت إيثار
التفتت بعينين فزعتين إلى طاهر
واجهها طاهر بابتسامة تحمل الكثير من المعاني
وأخيرا صفى حسابه معها
عادت إلى زهرة والذهول قد استغرقها
كانت ترى في وجهها
سلسلة لا متناهية من الوجوه
تظهر وتختفي
وجوها متتابعة
تصرخ بألم أخرس
وجهها
وجه والدتها
أختها
جدتها
الأرملة
المرأة المنكسرة
القلب المخلوع
دم بلا لون ينزف
قلب يرفرف
صراع أزلي
مترع بالألم و العجز

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق