«في انتظار غودو»
مسرحية السهل الممتنع
ما سر نجاح مسرحية "في انتظار غودو" للكاتب الأيرلندي، صموئيل بيكيت (1906 1989)، سواء في زمنها، أو حتى بعد مضي 60 عاماً على عرضها الأول في باريس، رغم أن قصتها لا تشمل أي حدث؟ واللافت أن وقائع تلك المسرحية، تدور في اللامكان وبطليها: استرجون وفلاديمير، هما بلا هوية أو خلفية.
قبل الكشف عن مفاتيح لغز هذا النجاح، نقدم عرضاً لمضمونها وخلفية كاتبها، والمرحلة التي هيأت لولادتها، بغية الاقتراب من عوالمها وإدراك جمالياتها.
ماذا يعني أن يمضي الزمن من دون أي حدث يذكرّ؟ تتلخص في هذا السؤال فكرة المسرحية، التي كتبها بيكيت عام 1948، حين كان عمره 42 عاماً، بعد أن حقق مكانته الأدبية على صعيد الرواية والشعر، باللغتين الفرنسية والإنجليزية. وسبق لبيكيت أن قال لتلامذته، إنه استلهم موضوع المسرحية من لوحة "رجلان يتأملان القمر"، التي رسمها الألماني ديفيد فريديريك كاسبار (1774 1840)، عام 1819.
حبكة وحكاية
يرفع ستار المسرحية، التي تضم فصلين وشخصيتين رئيسيتين وثلاث شخصيات ثانوية، عن جزء من طريق ريفي وشجرة جرداء ورجل يقتعد الأرض، وما هي إلا لحظات، حتى يدخل رجل آخر.
يحمل الرجل الأول اسم فلاديمير والثاني أسترجون، وبين حوار من جمل قصيرة ومسافات من الصمت والترقب والقلق، يبقى الاثنان في حالة انتظار لغودو الشخصية المبهمة. وهذا الانتظار الطويل، يعكس بصورة ما، رحلة عمر الإنسان الذي يعطل تفكيره ويؤجل أي مشروع لكونه رهينة حالة الانتظار التي يخال بأنها ستنتهي قريباً.
يقطع الانتظار مرور السيد بوزو وتابعه العبد لاكي المربوط عنقه بالحبل كالكلب. وبينما يتحدث مع فلاديمير وأسترجون بأسلوب حضاري، فإنه يتعامل مع لاكي كحيوان. وبعد استراحة قصيرة، يسأل الاثنان بوزو عن لاكي: لم لا يتحدث؟ وهناك يبكي الأخير ويتجلى لهما أن لاكي لا يستطيع التفكير إن لم يضع قبعة على رأسه. ويحمل لاكي متاع سيده ويغادرا.
وبعد حين، يصل فتى يخبرهما أن غودو لن يتمكن من الحضور اليوم وأجّل قدومه إلى الغد. ومن الحوار يدرك المشاهد أن الفتى سبق وأخبرهما بالأمر نفسه، في الأيام السابقة. ويقرر كلاهما المغادرة، لكنهما لا يتحركان من مكانيهما.
يلتقي فلاديمير واستروجين في الليلة التالية مجدداً، قرب الشجرة في انتظار غودو، لكن القادم أسوة بالليلة السابقة، بوزو ولاكي، والجديد هذه المرة أن بوزو بات ضريراً ولاكي غبياً.
وعندما يستوقفه الاثنان لا يتعرف بوزو على أي منهما. وبعد حين يصل الفتى ويخبرهما مرة أخرى، أن غودو لن يصل اليوم، ويصر على أنه لم يأت إليهما بالأمس. وبعد انصراف الفتى، يقرر الاثنان مغادرة المكان، ولكنهما، مرة أخرى، يبقيان في مكانيهما حتى يسدل الستار.
تشابه الشخصيات
من يقرأ أو يشاهد المسرحية، يدرك أن شخصية كل من فلاديمير وأسترجون، متشابهتان، ولا فوارق بينهما. فكلاهما مشرد ويرتدي ملابسه الواسعة والرثة، وحذاء عالياً ليس بالضرورة على مقاسهما، وقبعة مبالغاً في حجمها، وكثيراً ما شبه النقاد الشخصيتين بـ "شارلي شابلن".
اسم ومدرسة
كان وقع المسرحية حينما عرضت للمرة الأولى، على خشبة مسرح "بابليون" في باريس، عام 1953، بمثابة الصدمة على الجمهور. إذ كانت وجوه الحاضرين بعد المشهد الأخير، خالية من أي تعبير، وتنتابهم حالة من الذهول تهيمن على الجميع.
وسرعان ما أسس هذا العمل لبيكيت نهجاً فنياً جديداً ابتكر له مصطلح "مسرح العبث"، الذي ارتبطت جميع مسرحياته، سواء من قريب أو بعيد، باسم صموئيل بيكيت، ولتصبح مسرحيته هذه، أحد أهم أعمال المسرح في القرن العشرين.
دائرية النص
"ما معنى كل هذا؟" سؤال طرح ويطرحه معظم من شاهد أو قرأ هذا العمل وما هو شبيه به في "مسرح العبث". إذ لا يمكن استنتاج خلاصة أو صياغة من مسرحية "في انتظار غودو" لأن العمل أو النص، دائري بطبيعته وتكرار مجرياته.
فمجريات الفصل الأول مطابقة للفصل الثاني، بعكس بنية المسرحية التقليدية التي تتطور فيها الشخصيات مع تصعيد الخط الدرامي، حتى الوصول إلى ذروة الحبكة ومن ثم النهاية. وعليه، فإن بنية مسرحيات العبث مناقضة لها حيث تعتمد على بنية الدائرة.
سهل ممتنع
وضع بيكيت في بنية مسرحيته مجموعة كبيرة من الرموز المركبة، عبر محادثة بسيطة وسطحية بين شخصيتين، بصيغة أقرب إلى الكوميديا. ومع ذلك حملت المحادثة البسيطة أسئلة ونقاشاً حول الواقع والحياة والأمل واليأس، والوجود والعالم.
وتبدو هذه الأسئلة بلا نتيجة أو حلول، حتى أن كل من فلاديمير وأسترجون، يحاولان الانتحار في منتصف العمل، بلا جدوى. فسبيل الهرب من حيرة الوجود بالنسبة لهما، مغلق، فيبقيا عالقين في الحياة اليومية بصورة مؤرجحة. وعليه فإن "غودو" بمثابة رمز يغني حياة كلتا الشخصيتين، فهما ينتظرانه، وإن لم يأت بالمطلق. ويصف النقاد هذا العمل بالسهل الممتنع، وبمسحة من الكوميديا السوداء.
مسرح السجون»
أعجب بيكيت بالعمل المسرحي الذي أخرجه سجين في سجن لوترينغهوسن في ألمانيا عام 1953، والذي ترجمه بنفسه من الفرنسية إلى الألمانية. وبعث الثاني برسالة الى بيكيت، بعد العرض الأول، يقول فيها: "ربما يدهشك أن تعرض مسرحيتك في السجون، ليكون جمهورها من اللصوص والقتلة والمجرمين والمجانين، الذين ينتظرون الحياة في سجنهم، وكان لوقع الرسالة تأثير كبير على بيكيت، ما دفعه الى عرض عدد كبير من أعماله في السجون.
في السينما
1961 فيلم تلفزيوني أميركي، للمخرج آلان شنايدر، قدم ضمن البرنامج الأميركي "مسرحية الأسبوع" ومدته 101 دقيقة. وهو الوحيد (المخرج شنايدر)، الذي كان مستثنى في سياق موقف رفض بيكيت، إذ عارض خلال حياته، إنجاز أي فيلم سينمائي من وحي أعماله.
1965 فيلم أميركي قصير، للمخرج آلان شنايدر مدته 20 دقيقة.
1994 فيلم أميركي: "الموظفون"، أخرجه وكتبه كيفن سميث مدته 92 دقيقة.
2001 أنتجت السينما الأيرلندية، فيلما مقتبساً من المسرحية، يحمل الاسم نفسه. أخرجه مايكل ليندسي هوغ، ومثل فيه: باري ماك غوفيرن وجوني مورفي.
2010 قدم فيلم وثائقي عن المسرحية، بعنوان "المستحيل نفسه"، للمخرج جاكوب آدمز.
في المسرح
2001مسرحية تلفزيونية، للأميركية آن كارسون.
سيرة بيكيت
يعد صموئيل بيكيت، الذي ولد عام 1906 ، في دبلن في إيرلندا، من أهم كتاب القرن العشرين في مجالات المسرح والرواية. وهو بأدبه الممتد فترة 60 عاماً، يعبر عن واقع مشكلات إنسان العصر الحالي. وكان منذ صغره، متفوقاً في دراسته ومهتماً بالرياضة، وهوى مشاهدة الأفلام الأميركية الصامتة، كأفلام شارلى شابلن وبوستر كيتون، التي تركت أثرها الكبير على أدبه، في ما بعد.
حاز بيكيت عام 1969، على جائزة نوبل للأدب، التي لم يذهب لحفل تسليمها. وصادق في باريس الأديب الأيرلندى جيمس جويس (1882 1941)، والفرنسي مارسيل بروست (1871 1922).