السبت، 24 أغسطس 2013

روائع المسرح العالمي: بوشكين ومسرحيته موزارت وسالييري

موزارت وسالييري

الحسد والجريمة في عالم العباقرة

ألهمت مسرحية "موزارت وسالييري" ذات الفصل الواحد، لشاعر روسيا الأول الكسندر بوشكين (1700 - 1837)، التي نشرها ضمن كتاب ضم أربع مسرحيات بعنوان "تراجيديات صغيرة" عام 1830، عدداً كبيراً من المبدعين في الأدب والموسيقى وبقية الفنون، سواء في عصره أو في العصور اللاحقة، إذ دخلت تلك الأعمال بدورها، تاريخ روائع الأدب والفن، والتي سنقدم ها هنا، نبذة عن كل منها.
الإشاعات وبوشكين
بداية، استلهم بوشكين فكرة مسرحيته هذه، التي كتبها بعد مضي خمس سنوات على وفاة الموسيقار أنطونيو سالييري (1750 1825)، من الشائعات التي تناثرت هنا وهناك، بين الأكاديميين اثر وفاة الموسيقار وولفغانغ أماديوس موزارت، الذي فارق الحياة وعمره لم يتجاوز الـ 35 عاماً، بعد صراع مع المرض دام بضعة أشهر. وساهم مرضه الذي لم يعرف الأطباء تشخيصاً أو علاجاً له، آنذاك، في الترويج لتلك الشائعات، التي مفادها قتل سالييري موزارت بسم الزرنيخ.
وفي عام 1823، وبعد مضي 32 عاماً على وفاة موزارت، أقدم سالييري، الذي يعد من أبرز الموسيقيين في القرن الثامن عشر، وكان ملحن بلاط الامبراطور جوزيف الثاني، على محاولة انتحار فاشلة، ما أجج شعلة تلك الشائعات التي أدت إلى انقسام جمهور الموسيقى في فيينا، إلى فريقين، أحدهما يدافع عن سالييري وموسيقاه، والآخر عن موزارت.
نص ومعالجات
بنى بوشكين من هذه الشائعات، حبكة مسرحيته، مستنداً الى مشاعر الحسد والغيرة، ودورها في تأجيج الصراع الداخلي لدى شخصية سالييري، الذي كرس نفسه وحياته للموسيقى، وعمل بجهد دؤوب كي يحقق نجاحه، بعكس موزارت الشاب الذي توجت موهبته بعبقرية في الإبداع، والذي كانت تأتيه الألحان البديعة بسهولة وعفوية، من دون بذل أي جهد.
استعرض بوشكين الصراع في بداية المسرحية، عبر مونولوج داخلي لسالييري وبلغة شعرية جميلة، تحدث فيه عن شغفه بالموسيقى منذ طفولته والجهود الحثيثة لدخول هذا العالم، والتضحية بكل ما يمكن أن يبعده عن الموسيقى والجهود الكبيرة في تعلمه لعلم الجبر، غاية أن يتمكن من نظم ألحانه بأسلوب صحيح ومتوازن، ليحصد بعد تجاوزه الصعوبات، الشهرة الواسعة. ويتحدث في مونولوجه، عن محبته لجميع الموسيقيين من جيله، وإعجابه بانجازاتهم، من غلوك إلى بيتشيني، مبيناً أن مشاعر الحسد والغيرة لم تتولد في داخله إلا بعد معرفته بالشاب موزارت الذي كانت تأتيه الألحان البديعة بسهولة وعفوية، والتي لم يكن يقدر مدى روعتها وعظمتها.
تدلل المسرحية على أنه شعر سالييري باختلال كفتيّ الميزان، بين زملائه الموسيقيين ( وهو منهم) ودأبهم وكفاحهم لتحقيق منجز إبداعاتهم، وبين موزارت الذي كانت تأتيه الألحان من دون بذل أي جهد. ورأى سالييري أن هذا الاختلال لا بد من القضاء عليه بالقضاء على موزارت، "لتستعيد الموسيقى توازنها".
وفي المشهد الثاني في المسرحية، يلتقي الاثنان، ويقابله موزارت بود ومرح وبرفقته عازف كمان ضرير يطلب منه عزف مقطوعة شهيرة أمام سالييري، واعتبر موزارت سوء عزف الضرير، بمثابة طرفة تثير الضحك، ذلك على العكس من سالييري الذي ثار غضبه من تشويه العازف لها.
وحين حاول موزارت الانسحاب مع العازف لتعكر مزاج صديقه، نجد أنه يسأله الأخير عن هدفه من الزيارة. فيجيبه أنه أتى بقصد إسماعه لحناً جديداً، وأصر سالييري على الاستماع إليه.. وكان اللحن من الروعة لدرجة أذهلته وأججت حقده، وهو ما دفعه إلى دعوة موزارت للعشاء في إحدى الحانات لتنفيذ خطته القاضية بدس سم الزرنيخ له في الطعام.
وفي المساء، يلتقي الاثنان، فيحدثه موزارت الذي كان مشغول البال، عن مقطوعته الجنائزية الجديدة. وهنا، أبدى موزارت إعجابه في إبداع سالييري في مقطوعته "تاراريه"،
وفي تلك اللحظة، دس سالييري السم في كأس موزارت، الذي قال له بعفوية : "لنشرب بصحتك أيها الصديق، وبصحة رابط الوفاء الذي يجمع كلينا.. نحن أبناء الانسجام. وحين تناول موزارت الكأس ليشرب منها، حاول سالييري بتردد منعه من ذلك، لكن بعد فوات الأوان.
وعندها، نهض موزارت واتجه إلى البيانو ليسمع سالييري مقطوعة أبكته وابدى اعجابه بها، ما دفع موزارت، قبل اكمال عزفه إلى القول : "ليت الجميع يشعر بقوة التناغم مثلك.. المختارون مثلنا يترفعون عن تفاصيل الحياة الدنيوية ليعيشوا في جماليات عوالم الفن. لا أشعر بأني على ما يرام، شيء ما يضغط علي، بحاجة إلى النوم. وداعاً". وبعد مغادرته (اي موزارت)، يتساءل سالييري: " هل حقاً لا تجتمع العبقرية والشر؟".
في الأوبرا
1897 وضع الموسيقار الروسي الشهير نيكولاي ريمسكي كورساكوف (1844 1908)، ألحان أوبرا "موزارت وسالييري"، بعد أن نضجت تجربته الفنية. وأهدى عمله إلى الموسيقار الراحل الكسندر دارغوميزسكي (1813 1869)، الذي سبق أن وضع ألحان أوبرا "الضيف الحجر"، إذ أشرف كورساكوف، آنذاك، على توزيع عزف الأوركسترا لها.
واشتهر كورساكوف بأنه علم نفسه الموسيقى. كما عد أصغر موسيقي في مجموعة الموسيقيين "مايتي كوشكا".
في المسرح
1980 استلهم الكاتب المسرحي الانجليزي، سير بتر ليفن شافر، مسرحيته "أماديوس" المصنفة من روائع الأدب العالمي، من مسرحية بوشكين "موزارت وساليير"، وأدخل في المسرحية بعض المعزوفات الخاصة بكل من سالييري وموزارت.
وتبدأ مسرحيته مع سالييري، المتقدم بالسن، الذي يتحدث مع الجمهور مباشرة، ويسرد بعدها للجمهور مجموعة مبررات توضح دوافعه الشخصية لقتل موزارت. وهنا تنتقل المشاهد بين الماضي والحاضر، وبين تشوق سالييري لمقابلة موزارت، بعد إعجابه وحبه الشديد لألحانه.
في السينما
1984 اقتبست السينما الأميركية فيلم "أماديوس"، من مسرحية بيتر شافر، المأخوذة عن مسرحية بوشكين نفسها. وكان اللافت في الفيلم، أن قصة المؤامرة، أخذت أبعاداً أوسع وأشمل.
وأخرج الفيلم، ميلوس فورمان، الأميركي الجنسية والسلافي الأصل. ورشح هذا الفيلم إلى 53 جائزة، حصد منها 40، بما فيها 8 جوائز من "أكاديمي"، وأربع من "بافتا"، وأربع من "النخلة الذهبية". وجاء ترتيبه في المرتبة 53 ضمن قائمة أفضل 100 فيلم خلال 100 عام، التي أعدها "معهد الأفلام الأميركية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق