الثلاثاء، 9 يوليو 2013

الحرب والسلم

«الحرب والسلم»

أسطورة الأدب الروسي والعالمي


تعتبر رواية "الحرب والسلم"، للروائي الروسي ليو تولستوي (1828 1910)، من روائع الأدب الكلاسيكي، منذ نشرها عام 1869 وحتى يومنا هذا. وتمثل أسطورة الأدب الروسي والعالمي. وهي عمل ملحمي يتناول بالتفصيل، أحداثاً في إطار احتلال فرنسا لروسيا، وتأثيرات عهد نابوليون ومجتمع القيصر، من خلال عيون خمس عائلات أرستقراطية.
وتعرف الرواية، التي نشرت في البداية على حلقات بعنوان (عام 1805)، في مجلة "المراسل الروسي"، ما بين عامي 1865 و1867، بأنها إحدى أطول الروايات التي كتبت عبر التاريخ. وتصنف بالرواية السابعة في طولها، ضمن الأعمال التي كتبت بالأحرف اللاتينية. وتضم أربعة مجلدات.
ووصف تولتسوي روايته هذه: "إنها ليست برواية أو حتى قصيدة أو تسلسل تاريخي". كما اكد أن أبرز الأعمال في الأدب الروسي لا تتطابق مع المعايير التقليدية المتعارف عليها. وتميزت الأجزاء الأخيرة من العمل، بتحول السرد إلى مناقشة فلسفية.
1812
تدور أحداث الرواية قبل 60 عاماً من الزمن الذي كتبت فيه، وتحدث مع الأجداد الذين عاشوا خلال الحرب واحتلال الفرنسيين لروسيا عام 1812. وعليه، فإن الرواية تشتمل على سمة المصداقية التاريخية، المحكية في إطار أدب الخيال. ونتيجة بحوثه وقراءاته، أوصل تولستوي عدد شخصيات الرواية لما يقارب 160 شخصية. كذلك ترجمت إلى اللغة الإنجليزية وحدها، أكثر من 11 مرة.
احتلال موسكو وعلاقات عائلية
اللافت في الرواية كتابة تولستوي بالروسية والفرنسية، سواء في السرد أو في الحوارات. إذ تتنقل الشخصيات في كلامها، بين اللغتين. ويعكس هذا الجانب، واقع حياة المجتمع الروسي الأرستقراطي في القرن 19، حين كان استخدام الفرنسية يعكس رقي الفرد ورفعة مكانته.
ونتبين في الرواية، أنه تنحسر المفردات الفرنسية تدريجياً، مع وصول الحروب إلى أوجها، واحتلال موسكو وإحراقها. لتغيب تماماً من النص. وهو ما يعكس عودة الروس إلى ثقافتهم، والتحرر من هيمنة الثقافة الأجنبية.
تبدأ أحداث الرواية عام 1805، خلال حكم القيصر ألكسندر الأول حفيد كاثرين العظمى، وحتى احتلال الفرنسيين لروسيا عام 1812 في عهد نابوليون. ويتعرف القارئ على الأحداث التاريخية والاجتماعية، عبر تفاصيل تداخل علاقات خمس عائلات أرستقراطية: آل بزوخوف، آل بولكونسكي، آل روستوف، آل كوراجين، آل دروبيتسكوي.
تتصف عائلة آل بزوخوف، بالثراء الواسع وبتفكك الروابط الأسرية، أما آل بولكونسكي فإضافة إلى ثرائهم خدموا في بلاط كاثرين العظمى، بينما يتمثل ثراء أسرة آل روستوف في موسكو بالعقارات والأراضي دون توفر المال مع ترابط أسري قوي وإن كانوا يعيشون الحياة بلحظتها دون اعتبار لمواردهم. ويثر أبناء عائلة آل كوراغين الثلاثة الكثير من التساؤلات، وأخيراً عائلة آل دروبيتسكوي التي تجمع بين أصول نبيلة وضيق الحال.
نقطة الانطلاق
تبدأ أحداث الرواية من مدينة سانت بطرسبرغ عام 1805، مع بداية اجتياح نابليون غرب أوروبا. ومن ثم تخوف روسيا إزاء ذلك. ويقدم العديد من شخصيات الرواية في حفل اجتماعي. إذ يجري التعرف على شخصيات كل أسرة من الانتهازيين ومقتنصي الفرص والوصوليين.
قصص اجتماعية وتحركات رسمية
نتعرف في العمل على انطلاق تحركات قوات الجيش الروسي مع حليفة روسيا، آنذاك، الإمبراطورية النمساوية. ويذهب كل من: الشاب الطموح والذكي أندرو بولكونسكي والفتى المتهور نيكولاس روستوف، إلى الجبهة.
وبينما يصاب أندرو بجرح وتنقطع أخباره عن أسرته ويعتبر من ضمن القتلى، يصبح بيير بزوخوف، الشاب غريب الأطوار، الوريث الشرعي لوالده الثري، فيتزوج الفتاة الجميلة هيلين كوراغين في عجالة. وسرعان ما يكتشف بيير خيانتها له. ثم يدعو عشيقها إلى المبارزة، ويحاول الخروج من احباطه بالانضمام إلى الماسونية.
وفي موسكو، تتصادف عودة أندرو إلى أسرته، مع ولادة زوجته ليزا، والتي تفارق الحياة ما أن تضع مولودها. ويكرس أندرو وقته لابنه ولإدارة العقار. كما تحاول هيلينا استسماج بيتر وطلب العفو عنها، وبعد مضي فترة زمنية، يغفر لها.
يدرك أندرو عبثية فكرته، لدى زيارته سانت بطرسبرغ، القاضية في مقابلة الإمبراطور واطلاعه على المخطط العسكر الذي وضعه. وهناك يقابل ناتاشا، من أسرة روستوف، ويرتاح لها. وسرعان ما يطلب يدها للزواج. إذ لا تتأخر في الموافقة على ذلك. لكن والد آندرو يعارض الزواج ذاك. فيسافر إلى الخارج لمدة عام. وتتداخل القصص وتحاك الدسائس، هنا وهناك، بين الأقارب والمعارف، تبعاً للغايات والمصالح.
«بوردينو»
تقدم في مجريات أحداث الجزء الثالث من الرواية، عمليات بدء معركة بورودينو عام 1812، والتي يحتل نابليون على اثرها، موسكو، مع وقوع خسائر كبيرة في الأرواح لدى الطرفين. وتقصف القوات الفرنسية عقار الأمير بولكونسكي، الذي يصاب بذبحة صدرية، إذ يفارق الحياة عقبها. كما يتعرف القارئ على شخصية القائد نابليون، المتعجرف والنرجسي، الذي يدير المعركة مع عدد من الجنرالات المحنكين.
وتنفتح الرواية على صفحات سرد موسع عن طبيعة الحرب في بورودينو، بعد عودة بيير إلى الجيش، ومشاهدته أرض المعركة التي بدت له كالمجزرة، حيث اكتست بجثث القتلى من الجانبين. وما إن يدخل نابليون موسكو، حتى يشرع بيير في التخطيط لقتله.
ونختبر ماهية الحرب من منظار آخر، عبر أندرو، الذي يشهد في خيمة الإسعاف، مآسي الحرب ومعاناة الجنود، لنعيش معه لحظة إنسانية نجد آندرو يدرك من خلالها، مدى حبه الكبير للإنسانية جمعاء، حتى لأعدائه.
وفي أثناء انتظار بيير ظهور بونابرت، ينقذ ضابطاً فرنسياً من الموت، وأيضاً طفلة من الحريق الذي دمر نصف موسكو. إضافة إلى إنقاذه شابة من محاولة اغتصاب من قبل جندي فرنسي، لينتهي به الأمر معتقلاً لدى القوات الروسية، ذلك بتهمة التسبب في الحريق.
ويعي بيير من خلال مرافقته للمعتقل الآخر معه، بلاتون (الفلاح)، قيمة الحياة كهبة إنسانية. وتسهم المليشيات في تحريره من الأسر، ومن جانب آخر، يفارق أندرو الحياة بعد لقائه بناتاشا، خلال وجوده مع قوات المقاومة.
وتتطور أحداث الرواية مع الحرب، ليعاد إعمار موسكو بموازاة موت الكثيرين. إذ تعاود الحرب صوغ تفكير العديد من الشخصيات الرئيسية في العمل، مثل: بيير الذي تربطه علاقة حب بناتاشا.
وتنتهي الرواية بجدال بين بيير ونيكولاي، حول سلبيات الامبراطور الكسندر، الذي استغرق في الدين، تاركاً البلاد في أيدي حفنة من الاندفاعيين. وينوه بيير إلى قيام الامبراطور ببعض التغييرات في النظام، في حين يصر نيكولاي على الدفاع عنه بصورة من الولاء المتعصب.
1805
بدأت كتابة تولستوي عن الحروب خلال خدمته في حرب "القرم"، عبر مجموعة من قصصه ورواياته القصيرة. أما روايته "الحرب والسلم". فبدأ في كتابتها بعد زواجه واستقراره في بيته.
وكتب تولستوي النصف الأول من المجلد الخاص بهذه الرواية، تحت عنوان "1805"، وأنجز المسودة الأولى من الرواية سنة 1863. ومن ثم نشر بعض الأجزاء منها في العامين التاليين. وخلال كتابته للنصف الثاني، قرأ بكثافة وتعمق، أعمال الفيلسوف الألماني شوبنهاور (1788 1860)، الذي اعتبره أحد أبرز ملهميه.
كما شرع في تطوير قناعاته الخاصة عن التاريخ ودور الأفراد فيه. وقرأ تاريخ معظم ما كتب عن حروب نابوليون، بالروسية والفرنسية. ومجدداً، أعاد كتابة الرواية بأكملها خلال الفترة بين عامي 1866 و1869، ليجمع فيها، بين أسلوب السرد التاريخي والروائي.
في السينما
1915 قدم أول فيلم روسي عن الرواية.وإخراج فلاديمير غاردين.بطولة: غاردن وراقصة الباليه فيرا كارالي.
1956 فيلم أميركي حمل اسمها. إخراج كينغ فيدور. وبطولة: أودري هيبورن، هنري فوندا، ميلي فيرير.
1966 أطلقت نسخة الفيلم الروسي للرواية، للمخرج سيرغي بوندارشو. بطولة ليودميلا سافيلييا بدور ناتاشا بولكونسكي.
في التلفزيون
1972 أنتجت محطة البث البريطانية بي بي سي، مسلسلاً اقتبس عن الرواية،من بطولة: أنطوني هوبكنز،روبرت ديفيس.إخراج :جون ديفيس.
2000 أنتج التلفزيون الفرنسي فيلماً عن "الحرب والسلم".إخراج فرنسوا روسيلون. ولعب دور بيير فيه، روبرت بروبيكر.
2007 أنتج التلفزيون الإيطالي العمل، كحلقات قصيرة،. من إخراج: روبرت دومهيلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق