السبت، 26 يوليو 2014

هدى بركات: أنا كالممثل الذي يسيطر على شخصية دوره ولا يندمح فيها

 هدى بركات: أنا كالممثل الذي يسيطر على شخصية دوره ولا يندمح فيها، والمسافة التي يتركها هي هامش الإبداع

"تعذبتُ في السيطرة على شخصية الرجل في بعض رواياتي"

المصدر: رشا المالح
التاريخ:
ورحلة هدى (1952) بدأت بالتدريس والصحافة والترجمة في مسقط رأسها لبنان، لتنشر أول عمل أدبي لها عام 1985 بعنوان «زائرات»، وهو مجموعة قصصية قصيرة. وسافرت بعدها لتستقر في فرنسا، وتصدر روايتها الأولى «حجر الضحك»، ولتتبعها بأربع روايات هي؛ «أهل الهوى» و«حارث المياه» و«سيدي وحبيبي»، وروايتها الأخيرة في نهاية عام 2012 بعنوان «ملكوت هذه الأرض».



مسافات

هل تتماهين مع شخصيات روايتك أم تتركين مسافة؟
أنا كالممثل الذي يسيطر على شخصية دوره ولا يندمح فيها، والمسافة التي يتركها هي هامش الإبداع الذي يساعده على امتلاك أدواته لتأديتها بصورة استثنائية.

متى تفرضين على نفسك التوقف عن الكتابة؟
حينما أتأثر أو أستغرق بالأحداث التي أكتبها بين البكاء أو الضحك، أتوقف. الحالة التي أكتب خلالها مزيج من البرودة والقوة يمكنني من السيطرة على الشخصيات، لأبقى سيدة الموقف.

انفصال عن النص

حدثينا عن حالتك النفسية خلال الكتابة وتفاعلك مع الشخصيات.
مهم جداً المعرفة بأن الكتابة الروائية ليست تفريغاً للانفعالات والأفكار، فجزء كبير منها مهني يحتاج إلى لياقة نفسية وبدنية عالية، فالكتابة عندي أشبه بقفزة في الفراغ. هذه القفزة تكشف لي عن مناطق داخلية خطيرة كالأفخاخ، وعليه لا بد من تسلحي بالقوة، لأذكر نفسي أني لست أنا، فلا بد للكاتب الانفصال عن نصه ليحسن السيطرة.

وعندما أتعاطف أو أتفاعل كثيراً مع إحدى الشخصيات، أقوم بإبعادها، كما حدث معي خلال كتابتي رواية «أهل الهوى»، فقد تعذبت كثيراً في السيطرة على شخصية الرجل والبطل والراوي المطلق في العمل.

كانت شخصيته ذكورية متعبة، فهو مضطرب جداً وضعيف من الداخل، لدرجة أنا نفسي فوجئت بكيفية تركيبي مثل هذه الشخصية المعقدة من الخيال بالكامل، والمختلفة عن بقية شخصيات أعمالي. وكم دهشت مما أخرجته أعماقي، وأشفقت على ما فيها من عذاب وعنف ورفض لهذا المجتمع ولقانون الجماعة، وللعالم الخارجي وللكثير غيرها.

حزن ما بعد الرواية

هل تترك الرواية التي تكتبينها أثراً في نفسك بعد إنجازها؟ وإلى أي مدى؟
بعد كل رواية وبدون ادعاء، أصبح شخصاً مختلفاً عما كنت عليه، فمع كل عمل أكتشف أشياء في داخلي لم أكن أعرفها، تشعرني بالنضج وبنقلة نوعية في إنسانيتي وفكري. ولهذا السبب توجد مسافة زمنية كبيرة نسبياً بين أعمالي، وعدم تشابه بين رواياتي إلا في بعض الملامح. يمكنني تشبيه هذه النقلة النوعية بالمرأة التي تصبح أماً.

وحشة الغربة

كيف تحتفلين بفرح إنجاز روايتك وأنت في الغربة؟
في الغربة تشعرين بالوحشة، فليس هناك من يشاركك معنى هذه الفرحة، حتى عملك يُطبع في بلد آخر، ولا تكونين أول من يمسكه بين يديه. أن أكون بعيدة عن مثل هذه «الاحتفاليات»، يجعلني شخصاً متواضعاً للغاية. ففي بلداننا كثيراً ما يدخل الكاتب في حالة الوهم من مبالغة الأصدقاء وحماسهم، سواء في المقهى أو في حفلات التوقيع التي لا أشارك فيها على الإطلاق، لكونها أصبحت كالبروتوكول، فهي تفرض على الكاتب حساسية هو بغنى عنها، نتيجة من حضر ومن غاب من الأصدقاء.

ولا ننسى أن معظم المثقفين العرب يجاملون بعضهم بعضاً، وبصفتنا ميالين إلى تصديق من يصفنا بأننا عباقرة، فإن الغرور سرعان ما يسيطر علينا، ويفقدنا خصوصية حالتنا الداخلية.

بالمقابل يعنيني ويهمني جداً تلقي نقد أعمالي والانطباعات، خاصة أني أكتب بالعربية وعن العالم العربي، كل ما هنالك أن الغربة تجعلك أكثر تواضعاً، وعندما تعتادين عليها تعرفين كيف تتفاعلين معها ومع شؤون حياتك.
ولكون أعمالي ذات عمق وقيمة فكرية وأدبية، فأنا لست كاتبة ذات شعبية، لذا فإن أية رسالة تصل إليّ من قارئ أو ناقد أو دعوة عربية للمشاركة في فعالية ما، تشعرني بالغبطة، وتعوض شعوري بوحشة الغربة.

لعبة الشهرة

هل شهرة الكاتب العربي برأيك نعمة أم نقمة؟
لعبة الشهرة حزينة، وفيها الكثير من المآسي والنجاحات، بالنسبة إليّ أراها بمنظور مختلف، فحينما أقرأ كتاباً جميلاً أحتفي به مع نفسي ومع الآخرين، لذا أفاجأ من نزعة القول «آخذة أكبر من حجمها»، وغيرها من الانتقادات الجارحة التي تعتبر جزءاً من قانون اللعبة.
وفي قانون اللعبة الإنسان كائن اجتماعي، والبعد عن الوحدة فيه الكثير من المكاسب، لكن الوحدة أيضاً تساعد على اكتشاف الإنسان مكامن قوته وضعفه وتطويرها، والتمسك بالكتابة دون شوائبها.

لغة وجذور

تعيشين في الغربة منذ عام 1989، ومصرّة على الكتابة بلغتك العربية، لماذا؟
أولا ً أنا لم أهاجر من بيروت لأن لدي مشروعاً، بل هربت من الأحداث، ووجدت عملاً اعتماداً على مؤهلاتي الأكاديمية في اللغة الفرنسية والعلوم والحضارة والثقافة.

وحتى الآن، رغم حصولي على الوسامين، واهتمام الصحافة الفرنسية وتغطياتها لأعمالي، فإني لست إلا على هامش الهامش من الثقافة الفرنسية، فأنا لست من مجموعة الفرنكوفونية، فما أكتبه دائماً بالعربية، حتى في مقابلاتي مع الصحافة الفرنسية، أكتب لهم بالعربية، ويسألونني عن سبب ذلك مع معرفتي بإجادتي للغتهم.

هذا الإصرار لقناعتي أن لديّ لغتي الأم التي تعبت عليها، وفي داخلي أقول أنا لا أكتب لكم. موضوعي وعالمي الأساسي هو اللغة والعالم العربي وما فيه من أحداث. العالم الغربي أراد 10 – 15 سنة في فهم ما يجري عندنا في الشرق، وأدرك أخيراً أن عليه فهم ثقافتنا وحضارتنا، لذا بادر بترجمة الأعمال المكتوبة بالعربية، واعتمد الغرب مقولة لمعرفة ما يقوله ويفكر فيه هؤلاء البشر: «اذهبوا إلى لغاتهم»، وإن كنت كاتباً مميزاً، فحتماً ستكون ضمن دائرة اهتمامهم.

المعادلة الجديدة جعلت كتّابنا العرب يقفون في مصاف رواد الأدب عندهم، وليس في مصاف كتّاب الفضائح! خاصة بعد إدراكهم ما أغفله المستشرقون بنظرتهم الدونية لأدب الغير. أنا عملياً قابلة بهذه المعادلة وممتنة لها، وتشكل بالنسبة إليّ إضافة موضوعية لأعمالي وللغتي العربية.

نوازع هوية

كيف تستلهمين فكرة رواياتك؟
كل رواية لها حكاية، وحكاية روايتي الأخيرة «ملكوت هذه الأرض» بدأت بالإعداد لها منذ زمن بعيد، لاحتياجها إلى بحث طويل عن المصادر للمرحلة ما بين 1920 وبداية الحرب الأهلية في لبنان، كذلك الحاجة إلى التفرغ الكامل. وهذا البحث بعيد عما سجله تاريخ المنطقة الذي كان وهماً، خاصة بغياب وجود تاريخ علمي عقلي، فتاريخنا محكومٌ بنوازع هويتنا الطائفية والدينية، لدينا تواريخ متنوعة للاعتداد بالنفس والاستعلاء على الآخر.

هذه النوازع فتتت مجتمعاتنا، وأؤكد هنا أننا لم نصل بعد إلى مفهوم اللحمة الوطنية الجامعة لأبناء الوطن، أو المواطنة والهوية الوطنية. ما زالت دولنا العربية حديثة العهد بهذا المفهوم.


جوائز
منحت هدى بركات عام 2002 وسام الثقافة والفنون برتبة فارس من فرنسا، ومن ثم وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي برتبة فارس لقاء إبداعاتها في الأدب والصحافة عام 2008، إلى جانب فوزها بالعديد من الجوائز الأدبية، من ضمنها على الصعيد العربي جائزة مجلة الناقد للرواية عام 1990 عن روايتها «حجر الضحك»..
وجائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي عام 2000 التي تقدمها الجامعة الأميركية في القاهرة لأفضل عمل روائي منشور باللغة العربية عن روايتها «حارث المياه». كما فازت على صعيد الترجمة بجائزة «أمالفي» في إيطاليا عن أفضل كتاب مترجم إلى الإيطالية من بين لغات المتوسط. وترجمت رواياتها إلى العديد من اللغات الأجنبية في مقدمتها الفرنسية والإنجليزية والألمانية.

«ملكوت هذه الأرض».. ميثولوجيا وتاريخ

في رواية «ملكوت هذه الأرض» اختارت هدى بركات معظم شخصيات روايتها من هامش الحياة، بأسلوب من يرغب في حديث عادي مع القارئ دون معرفته ما المغزى من الحديث إلا بعد حين. وليس في أعمالها فكرة أو إيديولوجيا أو فلسفة محددة تحاول برهنتها أو فرضها على القارئ، لتنبش، من خلال الأوهام والميثولوجيا والخرافة، ما في أعماق الزمن والنفوس والتاريخ والحب والمكان والحرب والسياسة، وصراع العلاقات الإنسانية.

تحكي الرواية مسيرة ثلاثة أجيال من حياة عائلة من إحدى الطوائف المسيحية في قرية بشري بجبل لبنان منذ بدايات القرن العشرين، ويتعرف القارئ إلى سكانها وطبعهم الناري بتاريخهم وأرضهم وقديسيهم وأشجار الأرز التي يعتزون بها.
ويقوم بدور الراوي بالتناوب كل من البطلين سلمى وشقيقها الصغير طنوس، ليحكي كل منهما قصة حياته منذ وفاة والدهما المفاجئ ومن ثم الوالدة. وتتداخل الحكايات بنسيج تغزله هدى بجماليات لغته المطعمة بالمحكية تبعاً لخلفية كل شخصية، لنتعرف إلى سلمى الكبيرة التي تعتني بشقيقيها وأخواتها الثلاث، مكرسة نفسها لرعايتهم.

ويتعرف القارئ من خلالهما إلى تفاصيل مجتمعهم وشخصيات متنوعة بقناعاتها وتعصبها وضعفها وقوتها، والطمع الذي يتغلب على صلة الدم، والتعاطف والنزعة للجماعة، والتكبر الأعمى مثل مصير أطباء الأشجار الأجانب الذين قالوا إن الأرز مريض قليلاً، فضحك الناس ولم يصدقهم أحد، وأثيرت الأقاويل كالقناعة أن الأرزات لا تمرض، لأنها محمية منذ الأزل، وهكذا تتحول الأرزات إلى ما يشبه الأسطورة الغامضة بين السكان.

وتدخل الروائية في عمق شخصية البطلين، إذ تستيقظ سلمى فجأة من سبات حياتها وتتساءل، «استعرت حياة من أحببت ولفقت حياةً لي. استدنت حياتي ديناً، واعتقدت أنها ملك لي فيه صكوك. كان أجدى ألا أستفيق الآن».

الخميس، 24 يوليو 2014

بمناسبة مرور 100 عام على وفاة الأديب الروسي تشيخوف (إعادة نشر)

احتفالات عالمية بمرور 150 عاماً على ميلاد تشيخوف

احتفالات عالمية بمرور 150 عاماً على ميلاد تشيخوف


قال أنطون تشيخوف في المرحلة الأخيرة من حياته لصديقه الكاتب إيفان بونين، «ستقرأ أعمالي من قبل العامة لمدة سبع سنوات». وحينما سأله بونين، «لماذا سبع سنوات» أجاب: «ربما سبع ونصف، لا بأس بذلك. فأنا لن أعيش أكثر من ستة أعوام». كان توقع تشيخوف متواضعا وخاطئا؛ فقد توفي قبل مضي ست سنوات (1904)، وعاشت أعماله زمنا مديدا، والدليل على ذلك الاحتفال العالمي بأدبه هذا العام بمناسبة مرور 150 عاماً على مولده.

تشيخوف بحر بمفرده في محيط الأدب العالمي، ومن الصعب وصف انجازاته وتأثيره الكبير على الأدب في مقالة. لكن ما هو أكيد أنه عراب المسرح العبثي في القرن التاسع عشر وشكسبير المسرح الروسي، وأيضا رائد المدرسة الواقعية لأواخر القرن نفسه. على صعيد المسرح اشتهرت مسرحياته الأربع التي لا تزال تعرض في أهم مسارح العالم وهي، «النورس» (1896)، و«العم فانيا» (1900)، و«الشقيقات الثلاث» (1901)، و«بستان الكرز» (1904).

وعلى صعيد القصة القصيرة، قدم ما يزيد على 600 قصة قصيرة تعتبر من روائع هذا الجنس الأدبي، أشهرها «الراهب الأسود» و«السيدة والكلب». كما انتقلت أعماله إلى السينما التي قدمت روائع الأفلام الكلاسيكية من وحي قصصه ومسرحياته.
أما خلود أعماله فنابع من تناوله الجانب الإنساني في الحياة بأسلوب الكوميديا السوداء، وتناول فيها كل من، حضور الموت والمرض، ومعظم أبطاله يعانون من مصير تراجيدي أو موت مفاجيء. والمرض عنده ناتج من معاناة وصراع داخلي، وقد تناوله تشيخوف بعيدا عن مشاعر الشفقة ورثاء النفس، حيث أغلب شخوصه مدفوعة دوما بقوى تفوق قوة إرادتها. كما يتناول المرض كرمز على تداعي وصراع المجتمع.

والمحور الآخر، هو أوهام وخيبة أصحاب المثل العليا. كما تناول انهيار المجمتع الارستقراطي وبداية عهد جديد، حيث بدأت ميزات تلك الطبقة بالانحسار ابتداء من تحرير القصير الكسندر الثاني للعبيد في روسيا عام 1861 حينما كان عمر تشيخوف عاماً واحداً.
وقد تضمنت احتفالات العالم بتشيخوف حتى الآن، تقديم أعماله في المسارح والإذاعات البريطانية، حيث سيقدم المسرح البريطاني مسرحيته «بستان الكرز» التي أخرجها ريتشارد آير، مع قراءات نقدية لقصصه وشخصيته من قبل عدد من النقاد والروائيين والممثلين. وسيقوم الممثل مايكل بينينغتون من خلال مسرح هامبستيد، بحملة تبرعات لأجل ترميم البيت الذي عاش فيه في يالتا (شمال ساحل البحر الأسود)، خلال الفترة من 1899 إلى 1904.

تنظم روسيا في قاعة أرشيف الفيدرال ستيت معرضا هو الأول من نوعه، حيث يتضمن هذا المعرض الذي يحمل اسم «المسرحية غير المكتملة»، جميع المقتنيات الخاصة بتشيخوف الابن والأخ والطبيب والصديق والزوج والفيلسوف. ويبلغ عدد المعروضات 350 قطعة، بما فيها أوراقه وكتاباته ومقالاته ورسائله إلى أصدقائه الكتّاب إلى جانب صور نادرة له مع أفلام وثائقية.
كما ستقدم في بلدة تاغانروغ مسقط رأسه، قراءات لأعماله كجزء من برنامجها الذي يقام كل عامين منذ عام 1960، لتعريف الأجيال الجديدة بأعماله، إلى جانب مؤتمر عالمي حول نتاجه، خلال الفترة من 18 إلى 23 مارس، وذلك بالإضافة إلى العروض المسرحية في مختلف مدن روسيا.

في أميركا، يقدم مسرح «شيكاغو شكسبير» عروضاً لمسرحياته، خلال الفترة من 17 إلى 20 مارس. كما تستمر عروض شركة سيغال للأفلام التي اختارت سبعة أفلام كلاسيكية اقتبست قصصها من أعماله، حتى نهاية شهر فبراير بواقع عرضين لكل فيلم. كما أصدرت الشركة الاسترالية «بيرث مينت» للمصكوكات، 6000 ميدالية فضية تحمل صورة تشيخوف على الوجه الأول، وطائر النورس مع قناعي المسرح المضحك المبكي على الوجه الآخر، وقد أعلنت عن مزاد بيعها على موقعها الالكتروني.

إضاءة
أكثر بساطة
قال الكاتب الروسي الكبير مكسيم غوركي (1868-1936)، «أعتقد أن كل شخص في حضرة أنطون تشيخوف، يشعر برغبة عفوية لأن يكون أكثر بساطة، وأكثر حقيقة، وأن يكون نفسه».

الاثنين، 6 يناير 2014

أبرز إصادارات الكتاب العربي لعام 2013

أبرز مبادرات وإصدارات الكتاب العربي

يحظى الكتاب المطبوع والإلكتروني عاماً تلو الآخر باهتمام أكبر في العالم العربي، وبإقبال أوسع من القراء، خاصة في الحقبة الأخيرة، حيث برز العديد من الكتاب الشباب الذين اقتحموا ساحة الأدب بعدما كانت حكراً على الكتّاب الذين تألقوا في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، والذين عزلوا أنفسهم عن واقع الحياة اليومية ليكتبوا من وحي الذات، مما دفع الجمهور إلى العزوف عن أعمالهم وعن الكتاب بصورة عامة.
كما ساهم في هذا العزوف، تبني دور النشر مفهوماً تجارياً دون الاهتمام بمعايير النوعية والجودة، مما عمّق من الفجوة بين القارئ والكتاب، خاصة وأن قيمة الكتاب النقدية في ارتفاع مستمر مقابل ضعف دخل الفرد في مواجهة الغلاء.

نبض الشارع
استطاع الكتّاب الشباب الذين تناولت أعمالهم نبض الشارع العربي ومعاناة الإنسان العادي، في استعادة نسبة من القراء وكسب ثقتهم من جديد، والذين كان يعنيهم قراءة صدىً لواقعهم بعيداً عن القيمة الأدبية للكتاب، حيث استطاع هؤلاء الكتّاب اكتساب شريحة جديدة من القراء الشباب.
أما القيمة الأدبية للكتاب فوجدت من ينهض بها مجدداً من خلال مجموعة من الجوائز التي بادرت بها بعض البلدان وفي مقدمتها الجائزة العالمية للرواية العربية التي انطلقت عام 2007، والتي لعبت دوراً بارزاً في الترويج للكتاب، من خلال المصداقية التي بات القارئ يعتمد عليها في اختيار الكتب ذات القيمة الفكرية والأدبية سواء في القائمة الطويلة أو القصيرة للجائزة. فالفائز بتلك الجائزة يكتسب رصيداً من القراء لأعماله المقبلة إلى جانب ترجمتها إلى لغة أخرى.

مبادرات معرفية
كما ساهمت مبادرات أخرى في ترجمة الكتب الأجنبية إلى العربية مع دعم دور النشر، آخذة في الاعتبار حاجة الأفراد إلى المعرفة الإنسانية وتطوير قدراتهم الشخصية والفكرية والعلمية، مثل مبادرة برنامج "ترجم" الذي أطلقته عام 2008، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، والذي يُعنى بالكتب التي تدعم التنمية المستدامة في الوطن العربي وفي مقدمتها كتب الإدارة، ومشروع "كلمة للترجمة" الذي يحظى بدعم من هيئة أبوظبي للثقافة والتراث منذ انطلاقته عام 2005، إلى جانب المؤتمرات التي تنظمها معارض الكتاب في كل من الشارقة وأبوظبي لدور النشر بهدف الارتقاء بمعرفتها وتشجيعها على الترجمة والتواصل مع دور نشر أجنبية.
وبادرت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم هذا العام الذي شهد إصدارات لكتّاب إماراتيين جدد من دور نشر محلية، بإطلاق ثلاث مبادرات تعنى بالكاتب والكتاب من منطلق المعرفة التي تنهض بالمجتمعات، أولها "برنامج دبي الدولي للكتابة" الذي يهدف إلى دعم المؤلفين الإماراتيين والعرب وصقل مهاراتهم وقدراتهم للوصول بهم إلى العالمية، في شتى مجالات المعرفة من العلوم والبحوث إلى الأدب.

كتاب في دقائق
أما المبادرة الثانية فهي مشروع "كتاب في دقائق"، ويتمثل في إصدار المؤسسة لملخصات ثلاثة كتب من المؤلفات العالمية شهرياً، ليتناول كل إصدار ثلاثة مواضيع متجددة مرتبطة بالواقع واحتياجاته، والتي تشمل الأسرة وتنمية الطاقة الإيجابية، إلى جانب الإدارة والموارد البشرية وفنون التعامل مع الحياة، والقدرة على اكتشاف المكونات الفريدة والمميزة داخل الأفراد وانطلاقهم لعالم أوسع مدعمين بالنجاح.

عائلتي تقرأ


تتمثل المبادرة الثالثة في المشروع المعرفي "عائلتي تقرأ" الذي يهدف إلى توزيع 20 كتاباً، على ما مجموعه 50 ألف أسرة إماراتية، لتشكل هذه الكتب، نواة لمكتبة منزلية لدى الأسر، التي في طور تأسيس مكتبتها الخاصة، مع توقعات باستكمال التوزيع قبل نهاية العام المقبل.

«ومضات من فكر» يتصدر الكتب الواقعية الأكثر رواجاً 2013


تتنوع مواضيع الكتب الأكثر مبيعاً في الكتب الواقعية بين الإدارة وتطوير الذات والمعرفة والدين والسياسة والتاريخ وأدب السيرة والرحلات وفي مختلف المجالات الفكرية والعلمية والبحثية، وقد تصدر قائمة الكتب الأكثر رواجاً لعام 2013 كتاب "ومضات من فكر" لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي...

ويضم الكتاب أفكاراً وآراء من وحي الجلسة الحوارية في القمة الحكومية التي عقدت في فبراير من العام الجاري، إضافة إلى موضوعات منوّعة، تتنقل ما بين العام والخاص، لتضيء الومضات مساحات جديدة في تجربة ثرية، تجمع ما بين القيادة والإبداع والتواضع والفروسية، وعشق الرقم (واحد) والمركز الأول، وعدم الاعتراف بكلمة "مستحيل".

كتب أخرى
ضمن قائمة الأدب الواقعي 2013 احتل كتاب "إماراتي في الرياض" لمحمد المرزوقي مراكز متقدمة، وقد كتب الكتاب بأسلوب اليوميات ويروي المرزوقي فيه ذكرياته وانطباعاته في العاصمة السعودية، والفترة التي أمضاها هناك، والتي تجاوزت سبع سنوات عندما أخذته وظيفته إلى مدينة الرياض ضمن فريق عمل تأسيس شركة موبايلي، ويتميز عمله بأسلوبه التحليلي والنقدي.

وأيضاً كتاب "المثقفون المزيفون" للكاتب الفرنسي باسكال يونيفاس، الذي يتناول أنشطة وأفكار سبعة من المثقفين والإعلاميين الفرنسيين الأكثر شهرة في فرنسا والعالم الفرانكفوني، وبعضهم معروف على نطاق دولي، والذين يصفهم بالمثقفين المرتزقين.

مذكرات حافلة
على الرفوف خلال عام 2013 تابع القراء "مذكرات مصطفى محمود" للكاتب السيد الحراني بشغف وهي مذكرات حافلة برحلاته حول العالم وطرائف كثيرة صادفها، منها قبيلة نمنم والتي لا يعمل فيها الرجال، وقبائل الشيلوك والدنكا التي تعرف على دياناتهم العجيبة والتي منها عبادة النهر والأسد والنار، والطوارق الذين يعتبرون الفم عورة ويعيش الرجال ملثمون والنساء متبرجات، وشاهد الحملات التبشيرية التي تتزاحم في تلك الأماكن النائية تحت شعار التحديث والتنمية.

كما حصد كتاب «أئمة الشر» لثروت الخرباوي نصيباً من القراء، وفي هذا الكتاب عرّف الخرباوي بمراحل وخطوات دخول جماعة الإخوان، واختبارات الطاعة التي يجرونها للأعضاء الجدد قائلاً إنه طوال فترته في الجماعة لم يكن يتعامل معها باعتبارها طريقاً للجنة مثلما كانوا يقولون لنا، أو أنني لمجرد دخولي الجماعة قد حصلت على صك دخول الجنة.

كما أثار كتاب "أصول القضاء الإداري في النظام الإسلامي" لـداوود الباز، إشكالات أعادت قراءة التاريخ الإداري، حيث قدم الكتاب سمات الإدارة واختصاصاتها ليضم الفصل الأول ماهية القضاء الإداري وسماته، ليتناول الفصل الثاني اختصاصاته وولاياته، أما الفصل الثالث فيحكي عن تميزه ومميزاته.

الرواية تتقدم على أجناس أدبيـــــــة ومعرفية في سباق القارئ

على صعيد الكتب الأكثر مبيعاً في العالم العربي أو تلك التي تركت أثراً في الساحة الأدبية، تبقى الرواية في مرتبة الصدارة متقدمة مختلف الأجناس الأدبية والمعرفية. والمفارقة تفوق رواية ما لكاتب مغمور بعدد مبيعاتها وطبعاتها على الأعمال الأدبية من خلال خطة الترويج التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن جهة أخرى يبقى لكل جنس أدبي جمهوره من القراء، وإن كان التاريخ هو الحكم النهائي بشأن قيمة الرواية واستمراريتها.

أدب الخيال
تصدرت الرواية قوائم الأعمال الأكثر مبيعاً لعام 2013، من ضمنها القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، التي تنوعت مواضيعها ما بين الفساد السياسي والتطرف الديني ووضع المرأة والنفاق الديني والاجتماعي.. والتي تضم ستة أعمال في مقدمتها رواية "ساق البامبو" التي فازت بالمركز الأول للكاتب الكويتي سعود السنعوسي، وتتناول الرواية موضوع الهوية من خلال شاب هو ثمرة زواج بين ثقافتين الأب الكويتي والأم الفلبينية، وصراعه بين مجتمعين.

في القائمة
ضمن القائمة أيضاً رواية "يا مريم" للروائي العراقي سنان أنطون، وتدور أحداث الرواية في يوم واحد، يُختزل فيها المشهد العراقي برؤيتين مختلفتين لشخصيتين من جيلين مختلفين الرجل العجوز الذي مرت عليه أزمنة جميلة، والفتاة الشابة التي عاشت في زمن لا يحمل سوى المرارة.

إضافة إلى رواية "أنا وهي والأخريات" للبنانية جنى فواز الحسن، وهي رواية تأملية في القيم والأخلاق من جهة، والمتعة من جهة أخرى واقترانها بالحرية والمطلق، بأسلوب سردي تغريبي، في سعي لإعادة النظر في المحظورات المتراكمة عبر السنين في المجتمع الشرقي.

سلال القارئ
دخلت سلال القارئ في أدب الخيال 2013 أيضاً رواية "مولانا" للمصري إبراهيم عيسى، حيث يتحول واعظ إلى نجم في الفضائيات بفعل كاريزما شخصيته وسرعة بديهته وأسلوبه الساخر، ودبلوماسيته البارعة في إرضاء جميع الأطراف.
و"سعادته السيد الوزير" للتونسي حسين الواد، التي يصل فيها أحد المواطنين بشكل غير متوقع إلى منصب الوزير، ليشهد الفساد بأم عينه ليصبح بعد مضي زمن جزءاً منه.

إضافة إلى "مملكة الفراشة" للروائي الجزائري واسيني الأعرج، وتتوزع شخصيات الرواية ما بين بيت جزائري، وأصدقاء هذا البيت، والفيسبوك، وفتاة تهرب من عزلة ضاربة تلف حياتها، ومن ذكريات الآلام والرحيل والعنف في العشرية السوداء لبلادها، إلى مملكة الفيسبوك الزرقاء حيث تستأنف حياتها افتراضياً.

نادي السيارات
من ضمن القائمة أيضاً "نادي السيارات" للروائي المصري علاء الأسواني، وتصور الرواية واقع المجتمع المدني في أربعينيات القرن الماضي، لتطرح شخصيات عديدة تساؤلات بقيت قائمة في مصر حتى اليوم. ويرى بعض النقاد في الرواية صورة مصغرة لمصر بعد ثورة 25 يناير.

و"ياسين قلب الخلافة" للكاتب المغربي عبدالإله بن عرفة، التي تتناول السيرة الملحميّة للسلطان عبد الحميد الثاني أبرز الخلفاء العثمانيين، الذي حافظ على إرث الإمبراطوريّة المترامية الأطراف بحكمة ودهاء نادرَيْن مدّةَ ثلاث وثلاثين سنة قضاها على رأس الدولة العليّة، انتهجَ خلالها سياسةَ الحِياد المطلق بين الأُمَم لِيُقَوِّضَ الأطماعَ الاستعماريّة حيناً من الدَّهر، حتى كان ما كان من عَزله وسَجْنِه إلى أن تُوُفِّيَ في سجنه مهموماً مغموماً.

ونالت "لوعة الغاوية" لعبده خال مبيعات، التي تروي دخول مبخوت القرية غريباً، وتسبب عطفه على فتياتها بإخراجه منها مُتَّهماً بهنّ، إذ لم تجد فتون مأمناً غير بيت مبخوت لتخفي جرحاً بين ساقيها. ومبخوت الذي يبحث عن أُنس حبيبة طفولته يتورط في قتل زوجها دون تخطيط مسبق.

إَضافة إلى (لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة) للسوري خالد خليفة، التي تنهمر ذكريات بطلها مستعيداً تاريخ عائلته. ليتعرف القارئ على الأم التي تتزوج من شاب ريفي رغم رفض أهلها، فتعيش عزلتها المختارة، بعيداً عن العسكر القادمين إلى مدينتها الأثيرة "حلب"، متعالية على الجميع في محاولة لنسيان عارها من زوجها الذي هجرها مع امرأة أميركية تكبره بثلاثين سنة.

ورواية "القندس" للسعودي محمد حسن علوان، حيث جاء "غالب" إلى المدينة للبحث عن ذاته لم يجد أمامه سوى هذا القندس، ولأنه لا يمكن التعبير عن ذاته إلا عبر ذوات الآخرين، راح يتأمل حياة القندس ويحيل كل صفاته الحيوانية على عائلته، فحولهم جميعاً إلى قنادس وراح يتأملهم ويحلل كل تصرفاتهم.



أدب مترجم

حظيت ضمن الروايات المترجمة "لقيطة اسطنبول" للروائية التركية إليف شافاك بمتابعة، وتتناول الرواية نساء عائلة قزانجي التي تعيش في منزل كبير: زليخة، الأخت الصغرى التي تملك صالوناً للوشم، وهي والدة آسيا اللقيطة، وبانو، التي اكتشفتْ أخيراً مواهبها كمنجّمة، وسيزي، الأرملة والمدرِّسة، وفريدة، المهووسة بالكوارث؛ أما الأخ الأوحد، فيعيش في الولايات المتحدة، وسوف تكتشف ابنته أرمانوش، بالتعاون مع آسيا، أسراراً كبيرة عن العائلة وعن تاريخ تركيا الحديث.

والشيء نفسه بالنسبة إلى "الجحيم" للروائي الأميركي دان براون، حيث يأخذ براون القراء برفقة بطله في الروايات الخمس السابقة روبرت لانجدون، في رحلة إلى عمق جحيم ملهاة الشاعر الإيطالي دانتي، لحل شفراته ورموزه ضمن مغامرات ومطاردات وأحداث معقدة وشيقة.

«صُنع في الإمارات» مشروع كتب للأطفال


"صُنع في الإمارات" مشروع كتب لأطفال الدولة، تم تنظيمه بالتعاون بين المجلس الإماراتي لكتب اليافعين ومعهد غوته الألماني، بهدف تشجيع تطوير أدب الطفل الإماراتي على مستوى نصوص ورسوم، ليعكس القيم الثقافية واهتمامات الأطفال الإماراتيين.
وتضمن المشروع عقد ورش عمل خلال الدورة الأخيرة من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، من ضمنها ورشة ركزت على أدب الخيال والخيال العلمي لليافعين، تحت شعار "كلمات عوالم خيالية" اجتمع فيها عشر كتاب إماراتيين شباب مع مؤلف قصص الخيال الألماني المعروف راينير فيكفيرث.
وبهدف جذب الجمهور، استضاف المعهد أحد الفنانين الذي بنى أمام الجمهور هياكل للمباني المعمارية الشهيرة باستخدام كتبه، وبذلك تمكن الجمهور من مشاهدة كيفية بناء كل من قصر الإمارات وقصر الحصن باستخدام الكتب فقط. كما استغل بعض الزوار الفرصة لمساعدة مهندس الكتب بمناولته إياها، في حين أبدى آخرون رغبتهم في شراء الكتب التي تم استخدامها للبناء.
ويسعى المشروع المعرفي إلى رفد الساحة بكتب إماراتية نوعية وتشجيع الكتاب والموهبين في مجالات الرسم، إلى تقديم كتب نوعية تمتزج فيها الكلمة بالصورة، وإتاحته للقراء الصغار واليافعين.

أدب الطفل ورهان المستقبل


تحظى كتب أدب الطفل وثقافته بتطور وتوسع عاماً بعد آخر، ليتضاعف عدد دور النشر العربية الخاصة بالطفل، بعدما كانت غائبة عن ساحة معارض الكتب، ولتنتقل دور النشر المعنية بهذا الشأن من الاعتماد على الأدب المترجم ورسوماته، دون اهتمام بحقوق الملكية الفكرية أو الموضوع البعيد عن عوالم الطفل العربي، اهتمام بالكتاب العرب المختصين بأدب الطفل، واعتماد معايير أعلى تهتم بالشكل والمضمون على حد سواء.

وساهم في تشجيع هذه الصناعة تكريس العديد من الجوائز العربية والأجنبية المعنية، مثل بعض معارض الكتب التي تعتمد معايير عالية لقبول مشاركة دور الأطفال إلى جانب المسابقات والجوائز مثل جائزة "اتصالات" السنوية لكتاب الطفل، ومهرجان الشارقة القرائي للطفل..
ومؤسسة آنا ليند التي يهدف برنامجها العربي الإقليمي لأدب الأطفال والقراءة إلى تطوير أدب الأطفال والترويج للقراءة من أجل الاستمتاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة في مصر والأردن وسوريا وفلسطين ولبنان، إضافة إلى جائزتها "اقرأ في كل مكان"، علماً أن الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي تتولى تمويل برنامجها.

 

الاثنين، 16 ديسمبر 2013

سحر السيمفونية الخامسة لبيتهوفن

السيمفونية الخامسة

الموسيقى لغة إمتاع وتأمل

محدودة هي المعزوفات التي استطاعت، عبر تاريخ فن الموسيقى، الارتقاء إلى مكانة وروعة السيمفونية الخامسة للموسيقار الألماني لودفيغ فان بيتهوفن (1770 1827)، ففي هذه المقطوعة لم يقتصر إبداع بيتهوفن على ابتكار لغة موسيقية لا نظير لها في أصالتها وقوة تأثيرها في كل الأزمنة، بل في إخراجه الموسيقى من حدود قاعات الحفلات إلى عالم أوسع حال بأفكار الإنسان وتجاربه. وبرهنت السيمفونية الخامسة على مدى ما يفوق الـ 200 عام، أن الموسيقى تملك القوة على تغيير طريقة حياتنا وتفكيرنا. وتعد بذا، لغة إمتاع وتأمل.
 
دفع إعجاب الكونت أوبرسدورف، الشديد، في السيمفونية الرابعة التي كلف بيتهوفن بكتابتها، إلى تكليفه أيضاً، كتابة سيمفونية أخرى، ذلك مقابل 500 فلورينس، أسوة بالمقابل المادي للسابقة. ومنح هذا التكليف الموسيقار، فرصة إعادة جمع مسوداته لبعض الجمل الموسيقية، التي كان قد خطها ما بين عامي 1804 و1806، ليقرر بيعها إلى الناشر بريتكوف وهارتيل، بعد إنجازها.

استغرق بيتهوفن في كتابتها أربع سنوات، ابتداءً من ربيع عام 1804. وكانت تلك، المرحلة الأكثر ازدهاراً في فنه. ومن بين مقطوعاته الأخرى التي لا تزال حاضرة في زمننا المعاصر، سيمفونيتاه: الرابعة والسادسة، كونشيرتو البيانو الرابع، كونشيرتو الكمان، الجزآن الأولان من الأوبرا الوحيدة التي لحنها "فيديليو". وكانت هذه الأعمال وغيرها، التي كلف بها، أطالت زمن إنجازه للسيمفونية الخامسة، والتي كتب معظمها ما بين 1807 و1808.

خيبة.. فنجاح
كان العرض الأول لهذه السيمفونية، وكذا للسيمفونية السادسة في 22 ديسمبر 1808، على مسرح "دير وين" في فيينا، وشمل البرنامج، عزف كونشيرتو البيانو الرابع.. وبعض المقطوعات الأخرى لبيتهوفن. وكانت تلك السابقة الأولى من نوعها. وللأسف، لم يحقق العرض النجاح المتوقع، خاصة أن عازفي الفرقة كانوا من الدرجة الثانية..إلى جانب عامل البرد القارس في فترة العرض.
لكن هذا الفشل لم يستمر أكثر من عام ونصف العام، إذ سرعان ما حازت السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، الانتباه والإعجاب، تحديداً بعد المقالة الطويلة التي كتبها الناقد والموسيقي والروائي الألماني، إرنست ثيودور هوفمان، حولها. إذ أشار إلى قدوم عهد جديد من الإبداع الموسيقي. وفيما يلي مقتطف مما ورد في المقالة: "حزم من الشهب تضيئ بوميضها سواد الليل، لنعي من حولنا هيمنة أشباحٍ عملاقة تتأرجح إلى الأمام والخلف.. والتي تطبق علينا حتى تدمر كل شيء فينا، باستثناء وجع حنين لا ينتهي لكل لحظة متعة انبثقت فينا من ارتفاع النوتات وانخفاضها. ويحاول هذا الألم الذي يستنزفنا، دون تدميره للحب والأمل والسعادة، الانفجار في صدورنا مع صدوح صوت الأنغام بعصف من المشاعر، التي نعيشها ونبقى أسرى روحانياتها".

الحركات الأربع
ومن الأسباب الأخرى لنجاح وشعبية هذه السيمفونية، أنها اختزلت كل ما في أسلوب بيتهوفن الموسيقي، ومن ضمنها عنصر "الذروة"، حيث بدت الحركات الأربع في حالة تصعيد للوصول إلى لحظة درامية، على خلفية إيقاعه المميز لثلاث ضربات قصيرة مقابل واحدة طويلة، وهو ما منحها شمولية ووحدة. ومع مضي الزمن، اكتسبت السيمفونية الخامسة مكانة رفيعة، إذ عزفت في حفل افتتاح برنامج فرقة "نيويورك فيلهارمونيك" عام 1842، وغيرها.

الصمم والإبداع
في هذه المرحلة، في الفترة القريبة من توقيت إنجاز السيمفونية، بدأ بيتهوفن يعاني ضعفاً متسارعاً في حاسة السمع، ويرجح البعض أن حالة الضعف هذه ساهمت في تأجيج ألحان سيمفونيته.
أما قصته مع الصمم فلم يعرف بها بداية، سوى أصدقائه المقربين، البعيدين جغرافياً.. والذين كانوا يعيشون في بون في ألمانيا. وحين لم يعد باستطاعته إخفاء صممه، استخدم بيتهوفن الورقة والقلم للتواصل مع الآخرين. وفيما يلي مقتطف من مراسلاته عام 1801، التي تصور تأزم حالته المرضية: "بالطبع، عاهدت نفسي على الترفع عن أية صعوبات، ولكن كيف أتمكن من ذلك مع الصمم؟".
لم يكن صمم بيتهوفن مفاجئاً.. إذ تطور تدريجياً، أما مأساته، فتمثلت في إدراكه عدم توفر أي علاج لحالته. وبلغ مدى سوء حالته، أن وصل مرحلة الصمم الكامل في عام 1818.

وأرجع بيتهوفن سبب معاناته، كما ورد في إحدى رسائله إلى صديق عام 1801: "لا بد أن أسباب حالتي تعود إلى بيت الداء معدتي، والتي، كما تعرف، كانت متشنجة في حالة دائمة، وتزداد سوءاً. وطلب مني فرانك أن أتناول الأدوية التي تحفظ التناغم في جسمي، ومحاولة استعادة سمعي باستخدام زيت اللوز. وللأسف لم يكن من العلاج أي جدوى".

النوتات الأربع
استخدمت النوتات الأربع الأولى من سيمفونية بيتهوفن الأشهر في عالم الموسيقى، بعد الحرب العالمية الثانية، كعلامة للنصر. ذلك نظراً للشبه بينها وبين شيفرة مورس الخاصة بكلمة الانتصار، وكان لآخرين تفسير مختلف، إذ عنت لهم المقدمة، حتمية مصير القدر.

سيرة بيتهوفن
ولد الموسيقار الألماني لودفيغ فان بيتهوفن، الذي يعد أحد أبرز عباقرة الموسيقى، عام 1770، في مدينة بون. ويعود إليه، الفضل في تطوير الموسيقى الكلاسيكية. وألّف أول مقطوعة موسيقية حين كان في الثامنة من عمره. وبدأت تراجيديا بيتهوفن مع المرحلة الأولى من فقدانه السمع، بينما كان في الثلاثينات من عمره، ما دفعه إلى تحدي إعاقته بإبداع المزيد من الأعمال الخالدة.
ومن أجمل أعماله، السيمفونيات: الخامسة والسادسة والتاسعة. ووافته المنية في فيينا، عام 1827، بعد أن كان قد استقر هناك. وتشمل مؤلفاته للأوركسترا، تسع سيمفونيات، مع خمس مقطوعات موسيقية للبيانو، ومقطوعة للكمان، إلى جانب تأليف العديد من المقطوعات الموسيقية التي كُلف بها مثل مقدمات للأوبرا.

في الفن
1999
أمضى الفنان المعاصر والمخرج السينمائي الأميركي، بيكسوت هانت، الذي أخرج فيلم الرسوم المتحركة "فانتاسيا 2000" لوالت ديزني عام 1999، قرابة العامين، في ابتكار قصة متخيلة من وحي النوتات الأربع الأولى من السيمفونية الخامسة، التي مدتها ثلاث دقائق. إذ تعتبر مقدمة ذاك الفيلم. واستلهمت القصة من إيقاع ديناميكي لألوان الباستيل التي شكلت غيوماً وشلالات.
في تلك النوتات تتجلى قوة الصراع الأزلي بين الخير والشر، ومن ثم استلهمت أشكال المثلثات التي تعكس الجهتين. واستلهمت حركة مثلثات الشر من الخفاش بألوانه الداكنة، أما مثلثات الخير من الفراشات بألوانها المشرقة.

في السينما
1930 الفيلم السريالي الكوميدي الفرنسي "عصر الذهب"، الذي كتبه الفنان سلفادور دالي وأخرجه لوي بورنيل.
1934 فيلم الرعب الأميركي "القط الأسود"، للمخرج ادغار جي أولمر الذي حقق نجاحاً استثنائياً.
1936 الفيلم الفرنسي "حب بيتهوفن الأكبر"، من إخراج إيبل غرانس.
1956 الفيلم الأميركي (1984)، المقتبس من رواية جورج أورويل. وأخرجه ميكائيل أندرسون. ومن بطولة إدموند أوبريان.
1958 فيلم "قطة على سطح صفيح ساخن"، للكاتب المسرحي الأميركي تينيسي وليامس. ومن إخراج ريتشارد بروكس، الذي مثّل فيه النجمان: اليزابيث تايلور وبول نيومن.
1994 الفيلم الأميركي البريطاني "المحبوب الأزلي"، الذي يتناول قصة حياة الموسيقار لودفيغ بيتهوفن، من خلال صديقه المقرب أنطون شيدلر، لكاتب السيناريو والمخرج بيرنارد روز.
2003 الفيلم الأميركي "بيتر بان"، للمخرج بي جيه هوغان.

السبت، 14 ديسمبر 2013

تطرّف امرأة في الحب والانتقام


«ميديا»

تطرف امرأة في الحب والانتقام




مسرحية «ميديا» من المسرحيات التي تبقى في الذاكرة، ويكمن السبب في حبكتها التراجيدية التي كتبها الإغريقي يوروبيديس، والتي أثارت لدى عرضها للمرة الأولى، عام 431 قبل الميلاد، جدلاً واسعاً بين الجمهور الأثيني، حيث خرج يوروبيديس بحبكة الصراع عن المألوف في الأعراف الاجتماعية، من خلال ردة فعل الأميرة ميديا بطبيعتها التي تجمع بين أقصى مشاعر التطرف في الحب والانتقام.
ويُفضل لمن يرغب في قراءة المسرحية، أن يأخذ في الاعتبار الأسطورة الإغريقية والخلفية التاريخية التي بنيت عليها حبكة الصراع، فهناك انتماء الأميرة ميديا لبيئة توصف بالبربرية..
والأطماع في النفوذ التي تتغلب على القيم الإنسانية، وعصف المشاعر بين الحب والتدمير والخيانة، التي تحول الجريح إلى وحش مفترس، وغير ذلك من المعاني الإنسانية المفتوحة على تأويلات متعددة. وفي العموم، تُجسّد المسرحية روح امرأة تطرفت في الحب والانتقام.
الجزة الذهبية
التعرف على البيئة التي نشأت فيها ميديا، أميرة كولشيس وحفيدة إله الشمس هيلياس، والتي جاءت من أقاصي البحر الأسود، حيث برعت في السحر. أما جيسون فهو بطل إغريقي وقبطان آرغونوتس، الذي قاد طاقمه من البحارة إلى كلوشيس، بحثاً عن الجزة الذهبية. وكان الملك آييتس لورد بلدة كلوشيس ووالد ميديا، قد وضع الجزة تحت الحراسة.
وجعلت الأفخاخ والأشراك التي نصبها آييتس، بصفته ساحراً بارعاً، حول الجزة، الحصول عليها أشبه بالمستحيل. وبمساعدة ميديا تغلب جيسون على العوائق لتقتل ميديا الأفعى العملاقة التي كانت تحرس الجزة. ولكسب المزيد من الوقت خلال هربهما إلى اليونان، قتلت ميديا شقيقها ورمت جثته أشلاء في البحر خلف السفينة.
مؤامرات
يصل الحبيبان أخيراً إلى مملكة إيولكس، التي ورثها جيسون بعد موت والده، حيث تسلم عمه بيلياس حكم العرش .. وتسعى ميديا لمساعدة زوجها من خلال اقناع إحدى بنات بيلياس أنها قادرة على إعادة الشباب إلى والدها العجوز. والطريقة هي أن يقتل ويقطع لتجمع أشلاؤه من جديد، ومن ثم يعود بفضل سحرها، شاباً فتياً. وبلا تردد، نفذت بناته الساذجات ما طلبته ميديا.
وفي المشهد الأول، تحكي المربية عن الأحزان التي ستعيشها ميديا وعائلتها، وتناقش مع مدرس الأطفال، خيانة جيسون لسيدتها. وتعرب المربية عن خوفها على سلامة أفراد العائلة.
كما ندرك، من خلال الحوار بين جيسون والملك كريون، الفاجعة التي تنتظر ميديا. إذ يصر الملك على وجوب مغادرة ميديا وأبنائها البلد، ليقبل به كزوج لابنته غلوس، وبالتالي إمكانية حصوله على العرش. وتلام ميديا لى ردة فعلها العنيفة بدافع الغيرة والتملك تجاه زواج جيسون، ما دفعه إلى اتخاذ القرار بنفيها.
يوم إضافي
تطلب ميديا تأجيل سفرها يوماً إضافياً، ويوافق الملك كريون، ليندم لاحقاً على تساهله معها. ففي خلال هذا اليوم، تواجه ميديا جيسون.
خطة
ومع ضمان سلامتها، تخبر ميديا كورس المسرحية بخطتها، إذ ستقتل عروس جيسون وحماه بالسم. وستعمل على ارتكاب أشنع الجرائم ليكتمل انتقامها من حبيبها، ولتحميهم من أي انتقام سيلحق بهم كردة فعل على ما ارتكبته من جرائم، ولا تنفع معها توسلات الكورس في العدول عن قرارها. ويغيب عن بال حبيبها..
والملك كريون وابنته غلوس، حقيقة ميديا كساحرة، حين تقبل العروس غلوس هدية الزواج التي قدمتها لها ميديا. وهي عبارة عن ثوب وتاج. وما أن ترتدي غلوس الثوب، حتى يحترق لحمها وتموت، ويموت معها والدها الذي كان يحاول إنقاذها.
بدم بارد
المشهد الذي يبعث القشعريرة في الجسد ضمن المسرحية، هو عندما كانت ميديا، وخلال انتظار وصول أخبار القصر إليها، تسامر ولديها عقب أن عاد بهما مدرسهما الذي أخبرها بأنه استلمت هداياها. وتتحدث مع ولديها بمحبة في مشهد مؤثر تستجمع فيه شجاعتها. . ثم تخرج إلى رسول النبأ، لتعود إلى البيت وهي تصرخ، ولنسمع معها صيحات ولديها من الداخل وهي تقتلهما.
يتوقع القارئ مثل ردة الفعل هذه في التراجيديا، لكن ما يفاجئه حين ترتكب ميديا جريمة تفوق الخيال، حيث تقتل ولديها لتعذيب جيسون، ولتشفي غليل انتقامها حين تشاهد ذعر وصدمة جيسون أثناء فرارها إلى أثينا في عربة سلفها إله الشمس هيليوس، والتي تقودها تنانين.


في السينما
1969 يُعد فيلم "ميديا" للمخرج والمفكر والفيلسوف الإيطالي بيير باولو باسوليني (1922 1975)، من روائع الأفلام الكلاسيكية الملحمية في عالم السينما. وصور في موقع متحف غوريمي المكشوف في تركيا. وكل ما في العمل، أسوة بأفلام باسوليني الأخرى، غير مألوف من سيناريو الفيلم الذي كتبه إلى المشاهد والتمثيل المؤثر والسينوغرافيا والموسيقى.. وغيرها.
أدت دور ميديا، ماريا كالاس (1922 1977) اليونانية الأصل التي اشتهرت بصوتها السوبرانو. وبمشاركة: جيسيب جنتيل، بدور جيسون، وماسيمو غيروتي بدور كريون، ومارغريت كليمنتي (1947) بدور غلوس، والمغني من أصل لبناني بول جباره (1948 1992) بدور بيلياس.
وكان الفيلم نفسه، العمل الأول لمصمم السينوغرافيا الإيطالي دانتي فيريتي الشهير، الذي عمل لاحقاً سينوغرافيا أفلام باسوليني، وأيضاً: مقابلة مع مصاص الدماء، جزيرة شاتر، الطيار.
في التلفزيون
1983 قدمت المسرحية في التلفزيون الأميركي عام 1983، كفيلم تلفزيوني، من إخراج مارك كالينغهام. ولعبت دور ميديا الممثلة القديرة زو كالدويل، التي أدت الدور على خشبة المسرح قبل تصوير الفيلم، وبرعت في تجسيد الشخصية، واستأثرت بانتباه الجمهور طيلة العرض.
في المسرح
1946 لم تخل خشبة مسرح أي بلد، من عرض لمسرحية ميديا، خاصة في أوروبا وأميركا، حيث عرضت في فرنسا عام 1946، وفي أميركا عام 1947. كما قدمت كعمل مسرحي موسيقي على خشبة مسرح برودواي في عام 1950. وعرضت في عمل فني راقص عام 1993، من قبل المخرج ومصمم الرقصات ديميتريس.

السبت، 12 أكتوبر 2013

ليسيستراتا .. ملهمة الإنسانية للسلام


«ليسيستراتا».. مطفئة جمر الحروب


«هناك الكثير من صفات النساء التي تحزنني، ناهيك عن نظرة الرجال الدونية لنا». هكذا تقول ليسيستراتا، في بداية الملهاة التي كتبها الإغريقي أريستوفانيس (446 ق م 386 ق م)، إذ عرضت ضمن كلاسيكيات أثينا عام 411 ق م.
تستمد هذه المسرحية الكوميدية أهميتها، والتي تمثل عنواناً لحب المرأة للسلام ورغبتها الأزلية في إطفاء جمر الحروب، من محورين اثنين، أولهما خروج أريستوفانيس خلال كتابتها، عن النمط التقليدي لأصول الملهاة. وثانيهما والأهم، أنها أصبحت بمثابة منبع لإلهام العديد من كبار الكتاب والأدباء على مر العصور، منذ عام 1611 وحتى 2012. وأقرب مثال على ذلك في عالمنا العربي، قصة فيلم «هلأ لوين»، الذي أخرجته نادين لبكي.
أثينا وإسبارطه
تدور أحداث الملهاة خلال حرب البيلوبونيز، بين إمبراطورية الإغريق في أثنيا وعصبة البيلوبونيز في إسبرطه. وتبادر ليسيستراتا التي تتميز بقوة شخصيتها وانفتاح فكرها، إلى دعوة النساء للوقوف معاً ضد الرجال، في كافة أرجاء اليونان بهدف وقف الحرب وتحقيق السلام.
تخطط ليسيستراتا لاجتماع دعت إليه جميع النساء في اليونان، لمناقشة خطة وقف حرب البيلوبونيز. وخلال انتظارها قدوم النساء من إسبرطه وثيبث وغيرها من المناطق، تلعن ضعف النساء وخضوعهن. وتجتمع مع النساء المسنات في أثينا (فريق كورس النساء المسنات)، بهدف وضع خطة للسيطرة على مبنى الأكروبوليس في اليوم نفسه.



هجر المضاجع
وحين يلتئم شمل جميع النساء، تنجح ليسيستراتا في إقناعهن بضرورة اتخاذ موقف لعدم الاقتراب رجالهن ورفض وصالهن، ذلك بهدف الضغط على الفريقين المتصارعين للحوار وتوقيع معاهدة سلام. وسرعان ما تتحمس النساء للفكرة، ويقسمن جميعاً على الالتزام بالعهد. وخلال احتفالهن بالقسم، يسمعن أصوات السيدات المسنات بعد سيطرتهن على قلعة الأكروبوليس التي تضم كنوز أثينا.
أباريق الماء
يشمل فريق المسرحية، إلى جانب الشخصيات الرئيسية، كورسين، أحدهما للرجال المسنين والآخر للنساء المسنات. ويظهر كورس الرجال المسنين أولاً، بينما هم يحملون الخشب لإشعال النار في بوابة الأكروبوليس.. ونشر الدخان لطرد النساء خارج القلعة. وفي المقابل، يحمل كورس النساء المسنات أباريق الماء لإطفاء حريق الرجال، وينجحن في مسعاهن.
حيث يسكبن الأباريق على رؤوس الرجال. وفي هذه الأثناء، يصل مبعوث القضاة إلى الأكروبوليس غاية أخذ المال لأجل سفن البحرية، ولكنه يفاجأ بوجود النساء. فيأمر رجال الشرطة بالقبض على ليسيستراتا والأخريات. وفي معركة هزلية، يتراجع رجال الشرطة خوفاً. وينتهز المبعوث فرصة وجوده لتأنيب رجال أثينا الذين أعطوا نساء المدينة حرية أكثر من ما يتوجب. ومع هرب رجال الشرطة، يتجادل مع ليسيستراتا بشأن الحرب.
قطار العمر
وتوضح له، أن النساء ضليعات بالحرب كونهن يقدمن الكثير من التضحيات: أزواجهن وأبناءهن، مضيفة أنه بات من الصعب على المرأة في الزمن الحالي، العثور على زوج. وأن الشابات يمضي بهن العمر، من دون فرصة للزواج. إذ يقتل الشباب والرجال خلال المعارك.
وبعد مضي زمن، تبدأ نتائج اعتصام النساء وتمنعهن عن أزواجهن، بالظهور على الرجال، والذين يحاولون استعطاف زوجاتهن اللواتي يظهرن مفاتنهن إمعاناً في تعذيبهم.
سلام وغرام
مع تأزم الحالة النفسية لجميع الرجال بفعل ذاك الموقف، تخرج ليسيستراتا من القلعة مع خادمتها العارية، والتي تدعى «سلام». وبينما تشتت انتباه الرجال من خلال «سلام»، تلقي ليسيستراتا محاضرة عليهم بشأن المصالحة بين المدينتين الإغريقيتين اللتين تشتركان بالتاريخ وبمساندة إحداهما للأخرى في ما مضى. ويقرر القادة الإسبرطيون والأثينيون، اعتماد حقوق الأراضي التي ستنهي الحرب.
ويوافق كلا الطرفين عليها، ومن ثم تفتح ليسيستراتا بوابة الأكروبوليس لتعود النساء إلى رجالهن، وذلك في احتفال كبير. يتجلى من هذه المسرحية، إضافة إلى ثيمتها الأساسية في دور المرأة في وقف الحروب، العلاقة الفكرية والعاطفية بين الجنسين، إلى جانب رسوخ قناعة أريستوفانيس (كاتب العمل)، بذكاء وقدرات المرأة، وهذا على عكس تصنيفها من قبل الإغريقيين، بوصفها الكائن الأدنى قيمة في المجتمع. .
11 عملاً معروفاً
وضع أريستوفانيس ما لا يقل عن 40 مسرحية، لم يبق منها سوى 11 عملاً، معروفاً وحاضراً في الزمن المعاصر.
سيرة
نشأ الكاتب الإغريقي أريستوفانيس، في كنف أسرة ثرية ومثقفة في أثينا. واندلعت الحرب بين أثينا وإسبرطة في مرحلة الشباب. وهو ما دفعه إلى تناول موضوع الحرب والسلام بأعماله.
وكان قد سخر في مسرحيته «البابليون» التي وصلتنا منها بضعة أجزاء، من صاحب السلطة العليا: كليون التاجر، الذي أسس ثروته من دباغة الجلد. وكان يدفع باتجاه القضاء على إسبرطة المنافسة لأثينا في التجارة. وعلى إثرها قدم للمحاكمة بتهمة الخيانة، وحكم عليه بالغرامة.
في السينما
1956 اقتبست استوديوهات يونيفرسال الأميركية، مسرحية «ليسيستراتا» فحولتها إلى فيلم سينمائي موسيقي، بعنوان: «الجنس الثاني الأفضل». أخرجه جورج مارشال (1891 1975). وأدت فيه دور البطلة، جين كرين. وكانت تدور أحداث الفيلم في سنة 1880.
1968 اقتبست المخرجة والممثلة السينمائية السويدية ماي زيترلينغ (1925 1994)المسرحية، لتقدمها كفيلم بعنوان: «الفتيات». إذ أدت فيه دور البطولة ممثلات سويديات ثلاث.
في الأوبرا
2004 حولت المسرحية إلى أوبرا بالاسم ذاته. ووضع ألحانها الموسيقار مارك آدامو. ومدتها ساعتان. كما عرضت بداية، في دار هاوستون غراند أوبرا في أميركا.
رسومات مصورة
2011 تبنت الأميركية فاليري شراغ، تحويل المسرحية إلى رسومات مصورة في قالب روائي. وذلك ضمن سلسلة مختارات «ذا غرافيك كانون»، التي تضم أفضل الأعمال الأدبية بالرسومات المصورة. وحرر هذا العمل، روس كيك. إذ صدر في عام 2012 الجزءان الأول والثاني.. ليصدر الثالث في عام

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

روائع الروايات العالمية: رجلنا في هافانا

رجلنا في هافانا»

كوميديا سوداء في قالب روائي

استلهم الكاتب البريطاني غراهام غرين، قصة شخصية بطل روايته "رجلنا في هافانا"، من الرجل الذي تعرف إليه بعد أن التحق بالاستخبارات البريطانية "إم 16"، في شهر أغسطس عام 1941. إذ عين في لندن كوسيط فرعي للتعامل مع الجواسيس في شبه الجزيرة الإيبيرية، وهناك تعرف على العملاء الألمان في البرتغال، الذين كانوا يرسلون إلى ألمانيا تقارير وهمية، كانت تشكل بالنسبة لهم، مصدراً للمزيد من المال والمكافآت.
ومن هؤلاء العملاء: "غاربو"، العميل الإسباني المزدوج، في لشبونه، الذي أعطى الألمان المتعاملين معه معلومات مضللة، مدعياً أنه يحكم السيطرة على جميع العملاء في انجلترا،.
والذي اخترع حركات من القوى المسلحة الوهمية وعمليات من المراجع العسكرية كالخرائط والأدلة الأخرى. وهكذا كان الألمان يمولون 27 عميلاً وهمياً، مع نجاح غاربو الاستثنائي، في الحصول على وسامين خلال الحرب العالمية الثانية، أحدهما من بريطانيا، والثاني من ألمانيا.

1946
كتب الروائي البريطاني غراهام غرين، من وحي شخصية "غاربو" والعملاء الألمان، النسخة الأولى من روايته، في عام 1946، ذلك كمخطط رئيس لسيناريو فيلم، على أن تجري أحداث قصة الفيلم في استونيا، إحدى دول البلطيق، تحديداً في عام 1938. ودفع اعتراض الرقابة على السخرية من المخابرات البريطانية، غرين إلى تغيير بعض المحاور ضمنها، مثل: نقله الأحداث إلى مدينة "هافانا"، والتي زارها مرات عديدة، لاحقاً، في عام 1950.
ولتدور أحداث الرواية التي نشرت عام 1958، في هافانا، بعد فترة حكم نظام باتيستا في الخمسينات من القرن الـ20. وبطلها هو جيمس ورمولد، بائع المكانس الكهربائية، والذي تلقى من قبل هوثورن، عرض عمل في الخدمة البريطانية السرية (الاستخبارات).
وكانت زوجة ورمولد قد تركته، فمكث برفقة ابنته المراهقة والجميلة، التي استمرت تستنزفه بنظرتها المادية إلى الحياة. ونظراً لعدم قدرته على جني المال الكافي لتلبية متطلباتها، والتي لا تنتهي، قبل بعرض العمل الجانبي في الجاسوسية. ونظراً لغياب أية معلومات لديه يستطيع إرسالها إلى لندن، بدأ فبركة تقارير متنوعة، مستقياً معلومات من هنا وهناك، كالصحف.
ومن ثم اختلق شبكة من العملاء الوهميين، تضم بعض أسماء أشخاص حقيقيين، هو فعلياً لا يعرفهم. ولم يخبر ورمولد أحداً بحقيقة عمله السري، سوى صديقه، الجندي السابق في الحرب العالمية الأولى، الدكتور هاسلباشر.
يقرر بطل الرواية، في فترة لاحقة، جعل تقاريره أكثر تشويقاً، فيشرع في إرسال رسومات إلى لندن، عن قطع غيار المكنسة الكهربائية، مدعياً أنها مخططات مواقع الجيش السرية في الجبال، ولم يشك أحد ممن يتواصلون معه في لندن في رسوماته، باستثناء هوثورن، الذي جنده، كونه يعرف مهنته..
ولكن الأخير، يحجم عن التصريح بشكوكه، خوفاً من فقدانه عمله، ومع التطورات الجديدة، ترسل لندن إلى ورمولد، السكرتيرة ومساعدة الراديو، بياتريس سيفرن. فتخبره انه مطلوب منه التواصل مع شبكة عملائه، ابتداءً بالطيار راؤول. وتحت الضغط، يضع ورمولد خطة جديدة لعميله الوهمي. وبالصدفة، يقتل أحد الأشخاص الذين يحملون الاسم نفسه في حادث سيارة. ويستمر هذا البائع في نسج عالم موازٍ للواقع مع بعض الصعوبات التي تهدد عملاءه.
وفي الوقت نفسه، تمرر لندن المعلومات الخاصة بعدو غير محدد، يخطط لتسميم عميلهم ورمولد، في لقاء تجاري على الغداء. ويرفض الأخير التغيب عن اللقاء.
وعلى طاولة الغداء، يعتذر عن تناول بعض الأطباق التي يشك في مقدميها، وحين يقدم له كارتر، أحد بائعي المكانس الذين قابلهم فيما مضى، كأساً من الشراب، يبدي حركة مفاجئة، بدت عفوية، ولكنها هدفت إلى أن يطيح بالكأس الذي كان يشرب ما تبقى فيه، رئيس الخدم الذي سرعان ما يموت. وغاية انتقام كارتر من فشله، يقتل الدكتور هاسلباشر في إحدى الحانات.


«صورة بيضاء»
تطالعنا الرواية بعنصر جديد، يدخل على الأحداث، في أوج تلك السيرورة، وهو الضابط العسكري، سيغورا، الرجل القوي الذي يحب ميللي ويرغب في الزواج منها. إلا أن والدها يعلم أن بحوزة الكابتن قائمة بأسماء الجواسيس في هافانا، فيقرر إرسالها إلى لندن تعويضاً عن الأموال التي حصل عليها منهم.
وعليه، يذهب إلى بيت سيغورا للحصول على قائمة أسماء الجواسيس في هافانا، التي سبق وتحدث عنها الأخير. وفي البيت، يدفع ورمولد ذلك الضابط، إلى شرب الكحول حتى بلوغه مرحلة الثمالة، ليستغرق بعدها في نوم عميق. وهنا يصور الجاسوس، قائمة الأسماء بكاميرا دقيقة.
ومن دون تردد يأخذ مسدسه أيضاً، قبل مغادرته البيت، فيتجه مباشرة إلى النزل الذي يقيم فيه كارتر، ويطلق النار عليه، ثأراً لصديقه الطبيب. ويرسل القائمة إلى جماعته في لندن، في مغلف بريدي، ثم يتضح أن الصورة كانت بيضاء خالية من الأسماء.
ويلتقي ورمولد بعدها، ببياتريس. ويعترف لها بكل شيء. ويستدعيا، لاحقاً، إلى المقر الرئيسي، حيث تنقل بياتريس إلى جاكرتا، ويعاد النظر في دور ورمولد، الذي زودهم ببعض المعلومات القيّمة، ذلك على الرغم من حيله العديدة.
وبهدف إسكاته وإبعاده عن الصحافة، يعين كمدرس في أحد المقرات. وبعد مضي مدة من الزمن، تزور بياتريس ورمولد، في الفندق الذي هو فيه، ويقررا الزواج، ذلك مع مباركة ابنته ميلي، التي تذهب إلى سويسرا للدراسة، إذ تدفع نفقاتها من المال الذي جمعه أبيها بالخديعة والاحتيال.
جذور
استلهم الكاتب غراهام غرين سيناريو روايته (الفيلم)، من عمله في الجاسوسية خلال الحرب العالمية الثانية، ومن أحداث وتفاصيل خدمته في البرتغال، وكذا تعرفه على عدد من جواسيس ألمانيا المحتالين.
وفي البداية، رفضت رقابة الأفلام البريطانية، ملخص القصة، خاصة لسخريتها من خدمة المخابرات السرية بعد زمن قصير من انتهاء الحرب العالمية الثانية. وعليه، شرع يعيد بناء أحداثها لتكون في مدينة هافانا في الخمسينات من القرن الـ20، واستبدل شخصية زوجة البائع، بابنته، لينشر الرواية قبل صدور الفيلم.
بطاقة
الروائي والسيناريست البريطاني غراهام غرين (1902 1991)، أحد الروائيين البريطانيين القلائل، الذين جمعوا بين إعجاب النقاد والقراء، طيلة رحلتهم الأدبية. ووصل إلى أوج ازدهار إبداعه في عام 1958. ولديه قرابة الـ 28 رواية، وأربع مجموعات قصصية. إضافة إلى ثلاثة كتب في السيرة الذاتية.
يتميز أسلوب غرين في الكتابة، بلغته العملية، التي تخدم فكرة النص وتأسر انتباه واهتمام القارئ، وبسرده الواقعي. واعتاد أن يتناول في معظم أعماله الجانب الديني. وبصفته ناقداً أدبياً، فكان يهاجم كتاب الحداثة، مثل: فيرجينيا وولف وفورستر، لابتعادهم عن محور الدين في بناء دراما أعمالهم.
في السينما
1959
تنافس المنتجون في بريطانيا، على شراء حقوق الفيلم، ومن ضمنهم ألفريد هيتشكوك، الذي رفض شراءه بسعر 50 ألف جنيه استرليني. وعندما رفض الجميع دفع هذا المبلغ. قرر غرين بيعه لصديقه المخرج كارول ريد، الذي أتمنه على الالتزام بنص السيناريو.
في الأوبرا
1963 اختار الموسيقار والملحن الأسترالي مالكولم ويليامسون (1931 2003)، رواية "رجلنا في هافانا" لتكون عملاً أوبرالياً يتألف من ثلاث حركات. ومن ثم اقتبست على خشبة المسرح أيضاً، عام 2007، من قبل كلايف فرانسيس.