السبت، 12 أكتوبر 2013

ليسيستراتا .. ملهمة الإنسانية للسلام


«ليسيستراتا».. مطفئة جمر الحروب


«هناك الكثير من صفات النساء التي تحزنني، ناهيك عن نظرة الرجال الدونية لنا». هكذا تقول ليسيستراتا، في بداية الملهاة التي كتبها الإغريقي أريستوفانيس (446 ق م 386 ق م)، إذ عرضت ضمن كلاسيكيات أثينا عام 411 ق م.
تستمد هذه المسرحية الكوميدية أهميتها، والتي تمثل عنواناً لحب المرأة للسلام ورغبتها الأزلية في إطفاء جمر الحروب، من محورين اثنين، أولهما خروج أريستوفانيس خلال كتابتها، عن النمط التقليدي لأصول الملهاة. وثانيهما والأهم، أنها أصبحت بمثابة منبع لإلهام العديد من كبار الكتاب والأدباء على مر العصور، منذ عام 1611 وحتى 2012. وأقرب مثال على ذلك في عالمنا العربي، قصة فيلم «هلأ لوين»، الذي أخرجته نادين لبكي.
أثينا وإسبارطه
تدور أحداث الملهاة خلال حرب البيلوبونيز، بين إمبراطورية الإغريق في أثنيا وعصبة البيلوبونيز في إسبرطه. وتبادر ليسيستراتا التي تتميز بقوة شخصيتها وانفتاح فكرها، إلى دعوة النساء للوقوف معاً ضد الرجال، في كافة أرجاء اليونان بهدف وقف الحرب وتحقيق السلام.
تخطط ليسيستراتا لاجتماع دعت إليه جميع النساء في اليونان، لمناقشة خطة وقف حرب البيلوبونيز. وخلال انتظارها قدوم النساء من إسبرطه وثيبث وغيرها من المناطق، تلعن ضعف النساء وخضوعهن. وتجتمع مع النساء المسنات في أثينا (فريق كورس النساء المسنات)، بهدف وضع خطة للسيطرة على مبنى الأكروبوليس في اليوم نفسه.



هجر المضاجع
وحين يلتئم شمل جميع النساء، تنجح ليسيستراتا في إقناعهن بضرورة اتخاذ موقف لعدم الاقتراب رجالهن ورفض وصالهن، ذلك بهدف الضغط على الفريقين المتصارعين للحوار وتوقيع معاهدة سلام. وسرعان ما تتحمس النساء للفكرة، ويقسمن جميعاً على الالتزام بالعهد. وخلال احتفالهن بالقسم، يسمعن أصوات السيدات المسنات بعد سيطرتهن على قلعة الأكروبوليس التي تضم كنوز أثينا.
أباريق الماء
يشمل فريق المسرحية، إلى جانب الشخصيات الرئيسية، كورسين، أحدهما للرجال المسنين والآخر للنساء المسنات. ويظهر كورس الرجال المسنين أولاً، بينما هم يحملون الخشب لإشعال النار في بوابة الأكروبوليس.. ونشر الدخان لطرد النساء خارج القلعة. وفي المقابل، يحمل كورس النساء المسنات أباريق الماء لإطفاء حريق الرجال، وينجحن في مسعاهن.
حيث يسكبن الأباريق على رؤوس الرجال. وفي هذه الأثناء، يصل مبعوث القضاة إلى الأكروبوليس غاية أخذ المال لأجل سفن البحرية، ولكنه يفاجأ بوجود النساء. فيأمر رجال الشرطة بالقبض على ليسيستراتا والأخريات. وفي معركة هزلية، يتراجع رجال الشرطة خوفاً. وينتهز المبعوث فرصة وجوده لتأنيب رجال أثينا الذين أعطوا نساء المدينة حرية أكثر من ما يتوجب. ومع هرب رجال الشرطة، يتجادل مع ليسيستراتا بشأن الحرب.
قطار العمر
وتوضح له، أن النساء ضليعات بالحرب كونهن يقدمن الكثير من التضحيات: أزواجهن وأبناءهن، مضيفة أنه بات من الصعب على المرأة في الزمن الحالي، العثور على زوج. وأن الشابات يمضي بهن العمر، من دون فرصة للزواج. إذ يقتل الشباب والرجال خلال المعارك.
وبعد مضي زمن، تبدأ نتائج اعتصام النساء وتمنعهن عن أزواجهن، بالظهور على الرجال، والذين يحاولون استعطاف زوجاتهن اللواتي يظهرن مفاتنهن إمعاناً في تعذيبهم.
سلام وغرام
مع تأزم الحالة النفسية لجميع الرجال بفعل ذاك الموقف، تخرج ليسيستراتا من القلعة مع خادمتها العارية، والتي تدعى «سلام». وبينما تشتت انتباه الرجال من خلال «سلام»، تلقي ليسيستراتا محاضرة عليهم بشأن المصالحة بين المدينتين الإغريقيتين اللتين تشتركان بالتاريخ وبمساندة إحداهما للأخرى في ما مضى. ويقرر القادة الإسبرطيون والأثينيون، اعتماد حقوق الأراضي التي ستنهي الحرب.
ويوافق كلا الطرفين عليها، ومن ثم تفتح ليسيستراتا بوابة الأكروبوليس لتعود النساء إلى رجالهن، وذلك في احتفال كبير. يتجلى من هذه المسرحية، إضافة إلى ثيمتها الأساسية في دور المرأة في وقف الحروب، العلاقة الفكرية والعاطفية بين الجنسين، إلى جانب رسوخ قناعة أريستوفانيس (كاتب العمل)، بذكاء وقدرات المرأة، وهذا على عكس تصنيفها من قبل الإغريقيين، بوصفها الكائن الأدنى قيمة في المجتمع. .
11 عملاً معروفاً
وضع أريستوفانيس ما لا يقل عن 40 مسرحية، لم يبق منها سوى 11 عملاً، معروفاً وحاضراً في الزمن المعاصر.
سيرة
نشأ الكاتب الإغريقي أريستوفانيس، في كنف أسرة ثرية ومثقفة في أثينا. واندلعت الحرب بين أثينا وإسبرطة في مرحلة الشباب. وهو ما دفعه إلى تناول موضوع الحرب والسلام بأعماله.
وكان قد سخر في مسرحيته «البابليون» التي وصلتنا منها بضعة أجزاء، من صاحب السلطة العليا: كليون التاجر، الذي أسس ثروته من دباغة الجلد. وكان يدفع باتجاه القضاء على إسبرطة المنافسة لأثينا في التجارة. وعلى إثرها قدم للمحاكمة بتهمة الخيانة، وحكم عليه بالغرامة.
في السينما
1956 اقتبست استوديوهات يونيفرسال الأميركية، مسرحية «ليسيستراتا» فحولتها إلى فيلم سينمائي موسيقي، بعنوان: «الجنس الثاني الأفضل». أخرجه جورج مارشال (1891 1975). وأدت فيه دور البطلة، جين كرين. وكانت تدور أحداث الفيلم في سنة 1880.
1968 اقتبست المخرجة والممثلة السينمائية السويدية ماي زيترلينغ (1925 1994)المسرحية، لتقدمها كفيلم بعنوان: «الفتيات». إذ أدت فيه دور البطولة ممثلات سويديات ثلاث.
في الأوبرا
2004 حولت المسرحية إلى أوبرا بالاسم ذاته. ووضع ألحانها الموسيقار مارك آدامو. ومدتها ساعتان. كما عرضت بداية، في دار هاوستون غراند أوبرا في أميركا.
رسومات مصورة
2011 تبنت الأميركية فاليري شراغ، تحويل المسرحية إلى رسومات مصورة في قالب روائي. وذلك ضمن سلسلة مختارات «ذا غرافيك كانون»، التي تضم أفضل الأعمال الأدبية بالرسومات المصورة. وحرر هذا العمل، روس كيك. إذ صدر في عام 2012 الجزءان الأول والثاني.. ليصدر الثالث في عام