الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

روائع الروايات العالمية: رجلنا في هافانا

رجلنا في هافانا»

كوميديا سوداء في قالب روائي

استلهم الكاتب البريطاني غراهام غرين، قصة شخصية بطل روايته "رجلنا في هافانا"، من الرجل الذي تعرف إليه بعد أن التحق بالاستخبارات البريطانية "إم 16"، في شهر أغسطس عام 1941. إذ عين في لندن كوسيط فرعي للتعامل مع الجواسيس في شبه الجزيرة الإيبيرية، وهناك تعرف على العملاء الألمان في البرتغال، الذين كانوا يرسلون إلى ألمانيا تقارير وهمية، كانت تشكل بالنسبة لهم، مصدراً للمزيد من المال والمكافآت.
ومن هؤلاء العملاء: "غاربو"، العميل الإسباني المزدوج، في لشبونه، الذي أعطى الألمان المتعاملين معه معلومات مضللة، مدعياً أنه يحكم السيطرة على جميع العملاء في انجلترا،.
والذي اخترع حركات من القوى المسلحة الوهمية وعمليات من المراجع العسكرية كالخرائط والأدلة الأخرى. وهكذا كان الألمان يمولون 27 عميلاً وهمياً، مع نجاح غاربو الاستثنائي، في الحصول على وسامين خلال الحرب العالمية الثانية، أحدهما من بريطانيا، والثاني من ألمانيا.

1946
كتب الروائي البريطاني غراهام غرين، من وحي شخصية "غاربو" والعملاء الألمان، النسخة الأولى من روايته، في عام 1946، ذلك كمخطط رئيس لسيناريو فيلم، على أن تجري أحداث قصة الفيلم في استونيا، إحدى دول البلطيق، تحديداً في عام 1938. ودفع اعتراض الرقابة على السخرية من المخابرات البريطانية، غرين إلى تغيير بعض المحاور ضمنها، مثل: نقله الأحداث إلى مدينة "هافانا"، والتي زارها مرات عديدة، لاحقاً، في عام 1950.
ولتدور أحداث الرواية التي نشرت عام 1958، في هافانا، بعد فترة حكم نظام باتيستا في الخمسينات من القرن الـ20. وبطلها هو جيمس ورمولد، بائع المكانس الكهربائية، والذي تلقى من قبل هوثورن، عرض عمل في الخدمة البريطانية السرية (الاستخبارات).
وكانت زوجة ورمولد قد تركته، فمكث برفقة ابنته المراهقة والجميلة، التي استمرت تستنزفه بنظرتها المادية إلى الحياة. ونظراً لعدم قدرته على جني المال الكافي لتلبية متطلباتها، والتي لا تنتهي، قبل بعرض العمل الجانبي في الجاسوسية. ونظراً لغياب أية معلومات لديه يستطيع إرسالها إلى لندن، بدأ فبركة تقارير متنوعة، مستقياً معلومات من هنا وهناك، كالصحف.
ومن ثم اختلق شبكة من العملاء الوهميين، تضم بعض أسماء أشخاص حقيقيين، هو فعلياً لا يعرفهم. ولم يخبر ورمولد أحداً بحقيقة عمله السري، سوى صديقه، الجندي السابق في الحرب العالمية الأولى، الدكتور هاسلباشر.
يقرر بطل الرواية، في فترة لاحقة، جعل تقاريره أكثر تشويقاً، فيشرع في إرسال رسومات إلى لندن، عن قطع غيار المكنسة الكهربائية، مدعياً أنها مخططات مواقع الجيش السرية في الجبال، ولم يشك أحد ممن يتواصلون معه في لندن في رسوماته، باستثناء هوثورن، الذي جنده، كونه يعرف مهنته..
ولكن الأخير، يحجم عن التصريح بشكوكه، خوفاً من فقدانه عمله، ومع التطورات الجديدة، ترسل لندن إلى ورمولد، السكرتيرة ومساعدة الراديو، بياتريس سيفرن. فتخبره انه مطلوب منه التواصل مع شبكة عملائه، ابتداءً بالطيار راؤول. وتحت الضغط، يضع ورمولد خطة جديدة لعميله الوهمي. وبالصدفة، يقتل أحد الأشخاص الذين يحملون الاسم نفسه في حادث سيارة. ويستمر هذا البائع في نسج عالم موازٍ للواقع مع بعض الصعوبات التي تهدد عملاءه.
وفي الوقت نفسه، تمرر لندن المعلومات الخاصة بعدو غير محدد، يخطط لتسميم عميلهم ورمولد، في لقاء تجاري على الغداء. ويرفض الأخير التغيب عن اللقاء.
وعلى طاولة الغداء، يعتذر عن تناول بعض الأطباق التي يشك في مقدميها، وحين يقدم له كارتر، أحد بائعي المكانس الذين قابلهم فيما مضى، كأساً من الشراب، يبدي حركة مفاجئة، بدت عفوية، ولكنها هدفت إلى أن يطيح بالكأس الذي كان يشرب ما تبقى فيه، رئيس الخدم الذي سرعان ما يموت. وغاية انتقام كارتر من فشله، يقتل الدكتور هاسلباشر في إحدى الحانات.


«صورة بيضاء»
تطالعنا الرواية بعنصر جديد، يدخل على الأحداث، في أوج تلك السيرورة، وهو الضابط العسكري، سيغورا، الرجل القوي الذي يحب ميللي ويرغب في الزواج منها. إلا أن والدها يعلم أن بحوزة الكابتن قائمة بأسماء الجواسيس في هافانا، فيقرر إرسالها إلى لندن تعويضاً عن الأموال التي حصل عليها منهم.
وعليه، يذهب إلى بيت سيغورا للحصول على قائمة أسماء الجواسيس في هافانا، التي سبق وتحدث عنها الأخير. وفي البيت، يدفع ورمولد ذلك الضابط، إلى شرب الكحول حتى بلوغه مرحلة الثمالة، ليستغرق بعدها في نوم عميق. وهنا يصور الجاسوس، قائمة الأسماء بكاميرا دقيقة.
ومن دون تردد يأخذ مسدسه أيضاً، قبل مغادرته البيت، فيتجه مباشرة إلى النزل الذي يقيم فيه كارتر، ويطلق النار عليه، ثأراً لصديقه الطبيب. ويرسل القائمة إلى جماعته في لندن، في مغلف بريدي، ثم يتضح أن الصورة كانت بيضاء خالية من الأسماء.
ويلتقي ورمولد بعدها، ببياتريس. ويعترف لها بكل شيء. ويستدعيا، لاحقاً، إلى المقر الرئيسي، حيث تنقل بياتريس إلى جاكرتا، ويعاد النظر في دور ورمولد، الذي زودهم ببعض المعلومات القيّمة، ذلك على الرغم من حيله العديدة.
وبهدف إسكاته وإبعاده عن الصحافة، يعين كمدرس في أحد المقرات. وبعد مضي مدة من الزمن، تزور بياتريس ورمولد، في الفندق الذي هو فيه، ويقررا الزواج، ذلك مع مباركة ابنته ميلي، التي تذهب إلى سويسرا للدراسة، إذ تدفع نفقاتها من المال الذي جمعه أبيها بالخديعة والاحتيال.
جذور
استلهم الكاتب غراهام غرين سيناريو روايته (الفيلم)، من عمله في الجاسوسية خلال الحرب العالمية الثانية، ومن أحداث وتفاصيل خدمته في البرتغال، وكذا تعرفه على عدد من جواسيس ألمانيا المحتالين.
وفي البداية، رفضت رقابة الأفلام البريطانية، ملخص القصة، خاصة لسخريتها من خدمة المخابرات السرية بعد زمن قصير من انتهاء الحرب العالمية الثانية. وعليه، شرع يعيد بناء أحداثها لتكون في مدينة هافانا في الخمسينات من القرن الـ20، واستبدل شخصية زوجة البائع، بابنته، لينشر الرواية قبل صدور الفيلم.
بطاقة
الروائي والسيناريست البريطاني غراهام غرين (1902 1991)، أحد الروائيين البريطانيين القلائل، الذين جمعوا بين إعجاب النقاد والقراء، طيلة رحلتهم الأدبية. ووصل إلى أوج ازدهار إبداعه في عام 1958. ولديه قرابة الـ 28 رواية، وأربع مجموعات قصصية. إضافة إلى ثلاثة كتب في السيرة الذاتية.
يتميز أسلوب غرين في الكتابة، بلغته العملية، التي تخدم فكرة النص وتأسر انتباه واهتمام القارئ، وبسرده الواقعي. واعتاد أن يتناول في معظم أعماله الجانب الديني. وبصفته ناقداً أدبياً، فكان يهاجم كتاب الحداثة، مثل: فيرجينيا وولف وفورستر، لابتعادهم عن محور الدين في بناء دراما أعمالهم.
في السينما
1959
تنافس المنتجون في بريطانيا، على شراء حقوق الفيلم، ومن ضمنهم ألفريد هيتشكوك، الذي رفض شراءه بسعر 50 ألف جنيه استرليني. وعندما رفض الجميع دفع هذا المبلغ. قرر غرين بيعه لصديقه المخرج كارول ريد، الذي أتمنه على الالتزام بنص السيناريو.
في الأوبرا
1963 اختار الموسيقار والملحن الأسترالي مالكولم ويليامسون (1931 2003)، رواية "رجلنا في هافانا" لتكون عملاً أوبرالياً يتألف من ثلاث حركات. ومن ثم اقتبست على خشبة المسرح أيضاً، عام 2007، من قبل كلايف فرانسيس.