السبت، 26 يوليو 2014

هدى بركات: أنا كالممثل الذي يسيطر على شخصية دوره ولا يندمح فيها

 هدى بركات: أنا كالممثل الذي يسيطر على شخصية دوره ولا يندمح فيها، والمسافة التي يتركها هي هامش الإبداع

"تعذبتُ في السيطرة على شخصية الرجل في بعض رواياتي"

المصدر: رشا المالح
التاريخ:
ورحلة هدى (1952) بدأت بالتدريس والصحافة والترجمة في مسقط رأسها لبنان، لتنشر أول عمل أدبي لها عام 1985 بعنوان «زائرات»، وهو مجموعة قصصية قصيرة. وسافرت بعدها لتستقر في فرنسا، وتصدر روايتها الأولى «حجر الضحك»، ولتتبعها بأربع روايات هي؛ «أهل الهوى» و«حارث المياه» و«سيدي وحبيبي»، وروايتها الأخيرة في نهاية عام 2012 بعنوان «ملكوت هذه الأرض».



مسافات

هل تتماهين مع شخصيات روايتك أم تتركين مسافة؟
أنا كالممثل الذي يسيطر على شخصية دوره ولا يندمح فيها، والمسافة التي يتركها هي هامش الإبداع الذي يساعده على امتلاك أدواته لتأديتها بصورة استثنائية.

متى تفرضين على نفسك التوقف عن الكتابة؟
حينما أتأثر أو أستغرق بالأحداث التي أكتبها بين البكاء أو الضحك، أتوقف. الحالة التي أكتب خلالها مزيج من البرودة والقوة يمكنني من السيطرة على الشخصيات، لأبقى سيدة الموقف.

انفصال عن النص

حدثينا عن حالتك النفسية خلال الكتابة وتفاعلك مع الشخصيات.
مهم جداً المعرفة بأن الكتابة الروائية ليست تفريغاً للانفعالات والأفكار، فجزء كبير منها مهني يحتاج إلى لياقة نفسية وبدنية عالية، فالكتابة عندي أشبه بقفزة في الفراغ. هذه القفزة تكشف لي عن مناطق داخلية خطيرة كالأفخاخ، وعليه لا بد من تسلحي بالقوة، لأذكر نفسي أني لست أنا، فلا بد للكاتب الانفصال عن نصه ليحسن السيطرة.

وعندما أتعاطف أو أتفاعل كثيراً مع إحدى الشخصيات، أقوم بإبعادها، كما حدث معي خلال كتابتي رواية «أهل الهوى»، فقد تعذبت كثيراً في السيطرة على شخصية الرجل والبطل والراوي المطلق في العمل.

كانت شخصيته ذكورية متعبة، فهو مضطرب جداً وضعيف من الداخل، لدرجة أنا نفسي فوجئت بكيفية تركيبي مثل هذه الشخصية المعقدة من الخيال بالكامل، والمختلفة عن بقية شخصيات أعمالي. وكم دهشت مما أخرجته أعماقي، وأشفقت على ما فيها من عذاب وعنف ورفض لهذا المجتمع ولقانون الجماعة، وللعالم الخارجي وللكثير غيرها.

حزن ما بعد الرواية

هل تترك الرواية التي تكتبينها أثراً في نفسك بعد إنجازها؟ وإلى أي مدى؟
بعد كل رواية وبدون ادعاء، أصبح شخصاً مختلفاً عما كنت عليه، فمع كل عمل أكتشف أشياء في داخلي لم أكن أعرفها، تشعرني بالنضج وبنقلة نوعية في إنسانيتي وفكري. ولهذا السبب توجد مسافة زمنية كبيرة نسبياً بين أعمالي، وعدم تشابه بين رواياتي إلا في بعض الملامح. يمكنني تشبيه هذه النقلة النوعية بالمرأة التي تصبح أماً.

وحشة الغربة

كيف تحتفلين بفرح إنجاز روايتك وأنت في الغربة؟
في الغربة تشعرين بالوحشة، فليس هناك من يشاركك معنى هذه الفرحة، حتى عملك يُطبع في بلد آخر، ولا تكونين أول من يمسكه بين يديه. أن أكون بعيدة عن مثل هذه «الاحتفاليات»، يجعلني شخصاً متواضعاً للغاية. ففي بلداننا كثيراً ما يدخل الكاتب في حالة الوهم من مبالغة الأصدقاء وحماسهم، سواء في المقهى أو في حفلات التوقيع التي لا أشارك فيها على الإطلاق، لكونها أصبحت كالبروتوكول، فهي تفرض على الكاتب حساسية هو بغنى عنها، نتيجة من حضر ومن غاب من الأصدقاء.

ولا ننسى أن معظم المثقفين العرب يجاملون بعضهم بعضاً، وبصفتنا ميالين إلى تصديق من يصفنا بأننا عباقرة، فإن الغرور سرعان ما يسيطر علينا، ويفقدنا خصوصية حالتنا الداخلية.

بالمقابل يعنيني ويهمني جداً تلقي نقد أعمالي والانطباعات، خاصة أني أكتب بالعربية وعن العالم العربي، كل ما هنالك أن الغربة تجعلك أكثر تواضعاً، وعندما تعتادين عليها تعرفين كيف تتفاعلين معها ومع شؤون حياتك.
ولكون أعمالي ذات عمق وقيمة فكرية وأدبية، فأنا لست كاتبة ذات شعبية، لذا فإن أية رسالة تصل إليّ من قارئ أو ناقد أو دعوة عربية للمشاركة في فعالية ما، تشعرني بالغبطة، وتعوض شعوري بوحشة الغربة.

لعبة الشهرة

هل شهرة الكاتب العربي برأيك نعمة أم نقمة؟
لعبة الشهرة حزينة، وفيها الكثير من المآسي والنجاحات، بالنسبة إليّ أراها بمنظور مختلف، فحينما أقرأ كتاباً جميلاً أحتفي به مع نفسي ومع الآخرين، لذا أفاجأ من نزعة القول «آخذة أكبر من حجمها»، وغيرها من الانتقادات الجارحة التي تعتبر جزءاً من قانون اللعبة.
وفي قانون اللعبة الإنسان كائن اجتماعي، والبعد عن الوحدة فيه الكثير من المكاسب، لكن الوحدة أيضاً تساعد على اكتشاف الإنسان مكامن قوته وضعفه وتطويرها، والتمسك بالكتابة دون شوائبها.

لغة وجذور

تعيشين في الغربة منذ عام 1989، ومصرّة على الكتابة بلغتك العربية، لماذا؟
أولا ً أنا لم أهاجر من بيروت لأن لدي مشروعاً، بل هربت من الأحداث، ووجدت عملاً اعتماداً على مؤهلاتي الأكاديمية في اللغة الفرنسية والعلوم والحضارة والثقافة.

وحتى الآن، رغم حصولي على الوسامين، واهتمام الصحافة الفرنسية وتغطياتها لأعمالي، فإني لست إلا على هامش الهامش من الثقافة الفرنسية، فأنا لست من مجموعة الفرنكوفونية، فما أكتبه دائماً بالعربية، حتى في مقابلاتي مع الصحافة الفرنسية، أكتب لهم بالعربية، ويسألونني عن سبب ذلك مع معرفتي بإجادتي للغتهم.

هذا الإصرار لقناعتي أن لديّ لغتي الأم التي تعبت عليها، وفي داخلي أقول أنا لا أكتب لكم. موضوعي وعالمي الأساسي هو اللغة والعالم العربي وما فيه من أحداث. العالم الغربي أراد 10 – 15 سنة في فهم ما يجري عندنا في الشرق، وأدرك أخيراً أن عليه فهم ثقافتنا وحضارتنا، لذا بادر بترجمة الأعمال المكتوبة بالعربية، واعتمد الغرب مقولة لمعرفة ما يقوله ويفكر فيه هؤلاء البشر: «اذهبوا إلى لغاتهم»، وإن كنت كاتباً مميزاً، فحتماً ستكون ضمن دائرة اهتمامهم.

المعادلة الجديدة جعلت كتّابنا العرب يقفون في مصاف رواد الأدب عندهم، وليس في مصاف كتّاب الفضائح! خاصة بعد إدراكهم ما أغفله المستشرقون بنظرتهم الدونية لأدب الغير. أنا عملياً قابلة بهذه المعادلة وممتنة لها، وتشكل بالنسبة إليّ إضافة موضوعية لأعمالي وللغتي العربية.

نوازع هوية

كيف تستلهمين فكرة رواياتك؟
كل رواية لها حكاية، وحكاية روايتي الأخيرة «ملكوت هذه الأرض» بدأت بالإعداد لها منذ زمن بعيد، لاحتياجها إلى بحث طويل عن المصادر للمرحلة ما بين 1920 وبداية الحرب الأهلية في لبنان، كذلك الحاجة إلى التفرغ الكامل. وهذا البحث بعيد عما سجله تاريخ المنطقة الذي كان وهماً، خاصة بغياب وجود تاريخ علمي عقلي، فتاريخنا محكومٌ بنوازع هويتنا الطائفية والدينية، لدينا تواريخ متنوعة للاعتداد بالنفس والاستعلاء على الآخر.

هذه النوازع فتتت مجتمعاتنا، وأؤكد هنا أننا لم نصل بعد إلى مفهوم اللحمة الوطنية الجامعة لأبناء الوطن، أو المواطنة والهوية الوطنية. ما زالت دولنا العربية حديثة العهد بهذا المفهوم.


جوائز
منحت هدى بركات عام 2002 وسام الثقافة والفنون برتبة فارس من فرنسا، ومن ثم وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي برتبة فارس لقاء إبداعاتها في الأدب والصحافة عام 2008، إلى جانب فوزها بالعديد من الجوائز الأدبية، من ضمنها على الصعيد العربي جائزة مجلة الناقد للرواية عام 1990 عن روايتها «حجر الضحك»..
وجائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي عام 2000 التي تقدمها الجامعة الأميركية في القاهرة لأفضل عمل روائي منشور باللغة العربية عن روايتها «حارث المياه». كما فازت على صعيد الترجمة بجائزة «أمالفي» في إيطاليا عن أفضل كتاب مترجم إلى الإيطالية من بين لغات المتوسط. وترجمت رواياتها إلى العديد من اللغات الأجنبية في مقدمتها الفرنسية والإنجليزية والألمانية.

«ملكوت هذه الأرض».. ميثولوجيا وتاريخ

في رواية «ملكوت هذه الأرض» اختارت هدى بركات معظم شخصيات روايتها من هامش الحياة، بأسلوب من يرغب في حديث عادي مع القارئ دون معرفته ما المغزى من الحديث إلا بعد حين. وليس في أعمالها فكرة أو إيديولوجيا أو فلسفة محددة تحاول برهنتها أو فرضها على القارئ، لتنبش، من خلال الأوهام والميثولوجيا والخرافة، ما في أعماق الزمن والنفوس والتاريخ والحب والمكان والحرب والسياسة، وصراع العلاقات الإنسانية.

تحكي الرواية مسيرة ثلاثة أجيال من حياة عائلة من إحدى الطوائف المسيحية في قرية بشري بجبل لبنان منذ بدايات القرن العشرين، ويتعرف القارئ إلى سكانها وطبعهم الناري بتاريخهم وأرضهم وقديسيهم وأشجار الأرز التي يعتزون بها.
ويقوم بدور الراوي بالتناوب كل من البطلين سلمى وشقيقها الصغير طنوس، ليحكي كل منهما قصة حياته منذ وفاة والدهما المفاجئ ومن ثم الوالدة. وتتداخل الحكايات بنسيج تغزله هدى بجماليات لغته المطعمة بالمحكية تبعاً لخلفية كل شخصية، لنتعرف إلى سلمى الكبيرة التي تعتني بشقيقيها وأخواتها الثلاث، مكرسة نفسها لرعايتهم.

ويتعرف القارئ من خلالهما إلى تفاصيل مجتمعهم وشخصيات متنوعة بقناعاتها وتعصبها وضعفها وقوتها، والطمع الذي يتغلب على صلة الدم، والتعاطف والنزعة للجماعة، والتكبر الأعمى مثل مصير أطباء الأشجار الأجانب الذين قالوا إن الأرز مريض قليلاً، فضحك الناس ولم يصدقهم أحد، وأثيرت الأقاويل كالقناعة أن الأرزات لا تمرض، لأنها محمية منذ الأزل، وهكذا تتحول الأرزات إلى ما يشبه الأسطورة الغامضة بين السكان.

وتدخل الروائية في عمق شخصية البطلين، إذ تستيقظ سلمى فجأة من سبات حياتها وتتساءل، «استعرت حياة من أحببت ولفقت حياةً لي. استدنت حياتي ديناً، واعتقدت أنها ملك لي فيه صكوك. كان أجدى ألا أستفيق الآن».

الخميس، 24 يوليو 2014

بمناسبة مرور 100 عام على وفاة الأديب الروسي تشيخوف (إعادة نشر)

احتفالات عالمية بمرور 150 عاماً على ميلاد تشيخوف

احتفالات عالمية بمرور 150 عاماً على ميلاد تشيخوف


قال أنطون تشيخوف في المرحلة الأخيرة من حياته لصديقه الكاتب إيفان بونين، «ستقرأ أعمالي من قبل العامة لمدة سبع سنوات». وحينما سأله بونين، «لماذا سبع سنوات» أجاب: «ربما سبع ونصف، لا بأس بذلك. فأنا لن أعيش أكثر من ستة أعوام». كان توقع تشيخوف متواضعا وخاطئا؛ فقد توفي قبل مضي ست سنوات (1904)، وعاشت أعماله زمنا مديدا، والدليل على ذلك الاحتفال العالمي بأدبه هذا العام بمناسبة مرور 150 عاماً على مولده.

تشيخوف بحر بمفرده في محيط الأدب العالمي، ومن الصعب وصف انجازاته وتأثيره الكبير على الأدب في مقالة. لكن ما هو أكيد أنه عراب المسرح العبثي في القرن التاسع عشر وشكسبير المسرح الروسي، وأيضا رائد المدرسة الواقعية لأواخر القرن نفسه. على صعيد المسرح اشتهرت مسرحياته الأربع التي لا تزال تعرض في أهم مسارح العالم وهي، «النورس» (1896)، و«العم فانيا» (1900)، و«الشقيقات الثلاث» (1901)، و«بستان الكرز» (1904).

وعلى صعيد القصة القصيرة، قدم ما يزيد على 600 قصة قصيرة تعتبر من روائع هذا الجنس الأدبي، أشهرها «الراهب الأسود» و«السيدة والكلب». كما انتقلت أعماله إلى السينما التي قدمت روائع الأفلام الكلاسيكية من وحي قصصه ومسرحياته.
أما خلود أعماله فنابع من تناوله الجانب الإنساني في الحياة بأسلوب الكوميديا السوداء، وتناول فيها كل من، حضور الموت والمرض، ومعظم أبطاله يعانون من مصير تراجيدي أو موت مفاجيء. والمرض عنده ناتج من معاناة وصراع داخلي، وقد تناوله تشيخوف بعيدا عن مشاعر الشفقة ورثاء النفس، حيث أغلب شخوصه مدفوعة دوما بقوى تفوق قوة إرادتها. كما يتناول المرض كرمز على تداعي وصراع المجتمع.

والمحور الآخر، هو أوهام وخيبة أصحاب المثل العليا. كما تناول انهيار المجمتع الارستقراطي وبداية عهد جديد، حيث بدأت ميزات تلك الطبقة بالانحسار ابتداء من تحرير القصير الكسندر الثاني للعبيد في روسيا عام 1861 حينما كان عمر تشيخوف عاماً واحداً.
وقد تضمنت احتفالات العالم بتشيخوف حتى الآن، تقديم أعماله في المسارح والإذاعات البريطانية، حيث سيقدم المسرح البريطاني مسرحيته «بستان الكرز» التي أخرجها ريتشارد آير، مع قراءات نقدية لقصصه وشخصيته من قبل عدد من النقاد والروائيين والممثلين. وسيقوم الممثل مايكل بينينغتون من خلال مسرح هامبستيد، بحملة تبرعات لأجل ترميم البيت الذي عاش فيه في يالتا (شمال ساحل البحر الأسود)، خلال الفترة من 1899 إلى 1904.

تنظم روسيا في قاعة أرشيف الفيدرال ستيت معرضا هو الأول من نوعه، حيث يتضمن هذا المعرض الذي يحمل اسم «المسرحية غير المكتملة»، جميع المقتنيات الخاصة بتشيخوف الابن والأخ والطبيب والصديق والزوج والفيلسوف. ويبلغ عدد المعروضات 350 قطعة، بما فيها أوراقه وكتاباته ومقالاته ورسائله إلى أصدقائه الكتّاب إلى جانب صور نادرة له مع أفلام وثائقية.
كما ستقدم في بلدة تاغانروغ مسقط رأسه، قراءات لأعماله كجزء من برنامجها الذي يقام كل عامين منذ عام 1960، لتعريف الأجيال الجديدة بأعماله، إلى جانب مؤتمر عالمي حول نتاجه، خلال الفترة من 18 إلى 23 مارس، وذلك بالإضافة إلى العروض المسرحية في مختلف مدن روسيا.

في أميركا، يقدم مسرح «شيكاغو شكسبير» عروضاً لمسرحياته، خلال الفترة من 17 إلى 20 مارس. كما تستمر عروض شركة سيغال للأفلام التي اختارت سبعة أفلام كلاسيكية اقتبست قصصها من أعماله، حتى نهاية شهر فبراير بواقع عرضين لكل فيلم. كما أصدرت الشركة الاسترالية «بيرث مينت» للمصكوكات، 6000 ميدالية فضية تحمل صورة تشيخوف على الوجه الأول، وطائر النورس مع قناعي المسرح المضحك المبكي على الوجه الآخر، وقد أعلنت عن مزاد بيعها على موقعها الالكتروني.

إضاءة
أكثر بساطة
قال الكاتب الروسي الكبير مكسيم غوركي (1868-1936)، «أعتقد أن كل شخص في حضرة أنطون تشيخوف، يشعر برغبة عفوية لأن يكون أكثر بساطة، وأكثر حقيقة، وأن يكون نفسه».