الخميس، 23 مايو 2013

روائع المسرح العالمي



«في انتظار غودو»

مسرحية السهل الممتنع





ما سر نجاح مسرحية "في انتظار غودو" للكاتب الأيرلندي، صموئيل بيكيت (1906 1989)، سواء في زمنها، أو حتى بعد مضي 60 عاماً على عرضها الأول في باريس، رغم أن قصتها لا تشمل أي حدث؟ واللافت أن وقائع تلك المسرحية، تدور في اللامكان وبطليها: استرجون وفلاديمير، هما بلا هوية أو خلفية.

قبل الكشف عن مفاتيح لغز هذا النجاح، نقدم عرضاً لمضمونها وخلفية كاتبها، والمرحلة التي هيأت لولادتها، بغية الاقتراب من عوالمها وإدراك جمالياتها.

ماذا يعني أن يمضي الزمن من دون أي حدث يذكرّ؟ تتلخص في هذا السؤال فكرة المسرحية، التي كتبها بيكيت عام 1948، حين كان عمره 42 عاماً، بعد أن حقق مكانته الأدبية على صعيد الرواية والشعر، باللغتين الفرنسية والإنجليزية. وسبق لبيكيت أن قال لتلامذته، إنه استلهم موضوع المسرحية من لوحة "رجلان يتأملان القمر"، التي رسمها الألماني ديفيد فريديريك كاسبار (1774 1840)، عام 1819.

حبكة وحكاية

يرفع ستار المسرحية، التي تضم فصلين وشخصيتين رئيسيتين وثلاث شخصيات ثانوية، عن جزء من طريق ريفي وشجرة جرداء ورجل يقتعد الأرض، وما هي إلا لحظات، حتى يدخل رجل آخر.

يحمل الرجل الأول اسم فلاديمير والثاني أسترجون، وبين حوار من جمل قصيرة ومسافات من الصمت والترقب والقلق، يبقى الاثنان في حالة انتظار لغودو الشخصية المبهمة. وهذا الانتظار الطويل، يعكس بصورة ما، رحلة عمر الإنسان الذي يعطل تفكيره ويؤجل أي مشروع لكونه رهينة حالة الانتظار التي يخال بأنها ستنتهي قريباً.

يقطع الانتظار مرور السيد بوزو وتابعه العبد لاكي المربوط عنقه بالحبل كالكلب. وبينما يتحدث مع فلاديمير وأسترجون بأسلوب حضاري، فإنه يتعامل مع لاكي كحيوان. وبعد استراحة قصيرة، يسأل الاثنان بوزو عن لاكي: لم لا يتحدث؟ وهناك يبكي الأخير ويتجلى لهما أن لاكي لا يستطيع التفكير إن لم يضع قبعة على رأسه. ويحمل لاكي متاع سيده ويغادرا.

وبعد حين، يصل فتى يخبرهما أن غودو لن يتمكن من الحضور اليوم وأجّل قدومه إلى الغد. ومن الحوار يدرك المشاهد أن الفتى سبق وأخبرهما بالأمر نفسه، في الأيام السابقة. ويقرر كلاهما المغادرة، لكنهما لا يتحركان من مكانيهما.

يلتقي فلاديمير واستروجين في الليلة التالية مجدداً، قرب الشجرة في انتظار غودو، لكن القادم أسوة بالليلة السابقة، بوزو ولاكي، والجديد هذه المرة أن بوزو بات ضريراً ولاكي غبياً.

وعندما يستوقفه الاثنان لا يتعرف بوزو على أي منهما. وبعد حين يصل الفتى ويخبرهما مرة أخرى، أن غودو لن يصل اليوم، ويصر على أنه لم يأت إليهما بالأمس. وبعد انصراف الفتى، يقرر الاثنان مغادرة المكان، ولكنهما، مرة أخرى، يبقيان في مكانيهما حتى يسدل الستار.

تشابه الشخصيات

من يقرأ أو يشاهد المسرحية، يدرك أن شخصية كل من فلاديمير وأسترجون، متشابهتان، ولا فوارق بينهما. فكلاهما مشرد ويرتدي ملابسه الواسعة والرثة، وحذاء عالياً ليس بالضرورة على مقاسهما، وقبعة مبالغاً في حجمها، وكثيراً ما شبه النقاد الشخصيتين بـ "شارلي شابلن".

اسم ومدرسة

كان وقع المسرحية حينما عرضت للمرة الأولى، على خشبة مسرح "بابليون" في باريس، عام 1953، بمثابة الصدمة على الجمهور. إذ كانت وجوه الحاضرين بعد المشهد الأخير، خالية من أي تعبير، وتنتابهم حالة من الذهول تهيمن على الجميع.

وسرعان ما أسس هذا العمل لبيكيت نهجاً فنياً جديداً ابتكر له مصطلح "مسرح العبث"، الذي ارتبطت جميع مسرحياته، سواء من قريب أو بعيد، باسم صموئيل بيكيت، ولتصبح مسرحيته هذه، أحد أهم أعمال المسرح في القرن العشرين.

دائرية النص

"ما معنى كل هذا؟" سؤال طرح ويطرحه معظم من شاهد أو قرأ هذا العمل وما هو شبيه به في "مسرح العبث". إذ لا يمكن استنتاج خلاصة أو صياغة من مسرحية "في انتظار غودو" لأن العمل أو النص، دائري بطبيعته وتكرار مجرياته.

فمجريات الفصل الأول مطابقة للفصل الثاني، بعكس بنية المسرحية التقليدية التي تتطور فيها الشخصيات مع تصعيد الخط الدرامي، حتى الوصول إلى ذروة الحبكة ومن ثم النهاية. وعليه، فإن بنية مسرحيات العبث مناقضة لها حيث تعتمد على بنية الدائرة.

سهل ممتنع

وضع بيكيت في بنية مسرحيته مجموعة كبيرة من الرموز المركبة، عبر محادثة بسيطة وسطحية بين شخصيتين، بصيغة أقرب إلى الكوميديا. ومع ذلك حملت المحادثة البسيطة أسئلة ونقاشاً حول الواقع والحياة والأمل واليأس، والوجود والعالم.

وتبدو هذه الأسئلة بلا نتيجة أو حلول، حتى أن كل من فلاديمير وأسترجون، يحاولان الانتحار في منتصف العمل، بلا جدوى. فسبيل الهرب من حيرة الوجود بالنسبة لهما، مغلق، فيبقيا عالقين في الحياة اليومية بصورة مؤرجحة. وعليه فإن "غودو" بمثابة رمز يغني حياة كلتا الشخصيتين، فهما ينتظرانه، وإن لم يأت بالمطلق. ويصف النقاد هذا العمل بالسهل الممتنع، وبمسحة من الكوميديا السوداء.

مسرح السجون»

أعجب بيكيت بالعمل المسرحي الذي أخرجه سجين في سجن لوترينغهوسن في ألمانيا عام 1953، والذي ترجمه بنفسه من الفرنسية إلى الألمانية. وبعث الثاني برسالة الى بيكيت، بعد العرض الأول، يقول فيها: "ربما يدهشك أن تعرض مسرحيتك في السجون، ليكون جمهورها من اللصوص والقتلة والمجرمين والمجانين، الذين ينتظرون الحياة في سجنهم، وكان لوقع الرسالة تأثير كبير على بيكيت، ما دفعه الى عرض عدد كبير من أعماله في السجون.


في السينما

1961 فيلم تلفزيوني أميركي، للمخرج آلان شنايدر، قدم ضمن البرنامج الأميركي "مسرحية الأسبوع" ومدته 101 دقيقة. وهو الوحيد (المخرج شنايدر)، الذي كان مستثنى في سياق موقف رفض بيكيت، إذ عارض خلال حياته، إنجاز أي فيلم سينمائي من وحي أعماله.

1965 فيلم أميركي قصير، للمخرج آلان شنايدر مدته 20 دقيقة.

1994 فيلم أميركي: "الموظفون"، أخرجه وكتبه كيفن سميث مدته 92 دقيقة.

2001 أنتجت السينما الأيرلندية، فيلما مقتبساً من المسرحية، يحمل الاسم نفسه. أخرجه مايكل ليندسي هوغ، ومثل فيه: باري ماك غوفيرن وجوني مورفي.

2010 قدم فيلم وثائقي عن المسرحية، بعنوان "المستحيل نفسه"، للمخرج جاكوب آدمز.

في المسرح

2001مسرحية تلفزيونية، للأميركية آن كارسون.

سيرة بيكيت

يعد صموئيل بيكيت، الذي ولد عام 1906 ، في دبلن في إيرلندا، من أهم كتاب القرن العشرين في مجالات المسرح والرواية. وهو بأدبه الممتد فترة 60 عاماً، يعبر عن واقع مشكلات إنسان العصر الحالي. وكان منذ صغره، متفوقاً في دراسته ومهتماً بالرياضة، وهوى مشاهدة الأفلام الأميركية الصامتة، كأفلام شارلى شابلن وبوستر كيتون، التي تركت أثرها الكبير على أدبه، في ما بعد.

حاز بيكيت عام 1969، على جائزة نوبل للأدب، التي لم يذهب لحفل تسليمها. وصادق في باريس الأديب الأيرلندى جيمس جويس (1882 1941)، والفرنسي مارسيل بروست (1871 1922).

الأربعاء، 22 مايو 2013

«بيغماليون» مسرحية العلاقات الإنسانية



أسرت مسرحية "بيغماليون" للكاتب الايرلندي جورج برنارد شو، قلوب الجماهير من العامة والنخبة، منذ عرضها في بداية القرن العشرين وحتى يومنا هذا. وألهمت المبدعين في الأدب والشعر والسينما والتشكيل، من مختلف بلدان العالم.

تكمن جماليات وخصوصية هذه المسرحية، التي استلهمها جورج برنارد شو (1856 1950)، من "بيغماليون" إحدى شخصيات الأسطورة الإغريقية، في تناول كاتبها للعلاقات الإنسانية المعقدة في المجتمعات.

لقاء وحكاية

تبدأ المسرحية ذات الفصول الخمسة، بلقاء رجلين من النبلاء في خريف العمر، في أمسية ماطرة، في إحدى الحدائق. والأول هو البروفيسور هيغنز المتخصص في علوم الصوتيات. أما الثاني فهو الكولونيل بيكرينغ، المتخصص باللغات واللهجات الهندية.

وأثناء حوارهما يتحدى هيغنز زميله في قدرته من خلال خبرته في علم الصوتيات، بتحويل الفتاة إليزا دوليتل، بائعة الزهور في الحديقة، في أشهر معدودة، إلى سيدة مرموقة تجيد التحدث، وتتقن إقناع مجتمع لندن المخملي، بحضورها كأية دوقة مرموقة فيه.

تحد وشروع

تأتي، في صباح اليوم التالي، إليزا إلى مختبر هيغنز، لتباشر تلقي دروس النطق، عارضة عليه ملاليم، مقابل تعليمها النطق الصحيح. ذلك كي تستطيع العمل في محل لبيع الزهور. فيسخر منها هيغنز. وتستهويه فكرة العمل على تحويلها إلى دوقة، ويتعهد بيكرينغ بدفع كافة التكاليف له، إن استطاع تقديم إليزا كدوقة في الحفل الذي يقيمه السفير في حديقته.

يقبل هيغنز التحدي ويبدأ بمساعدة مدبرة منزله على الاهتمام بمظهر إليزا، وبعد أيام يقدم والد إليزا، ليطلب بصورة غير مباشرة، مبلغا ماليا، مقابل بقائها. ولا يتردد هيغنز في إعطائه المال، بعدما لمس ما تتمتع به الشابة من ذكاء وبلاغة، وخلال مغادرته لا يتعرف على ابنته بصورتها الجديدة.

يستمر تدريب إليزا على الكلام بصورة صحيحة لأشهر عديدة، وتواجه خلالها محنتين. الأولى في بيت والدة هيغنز، حيث قدمت إلى العائلة ومعها مجموعة من الضيوف. تشعر إليزا بعد نجاحها، بالخيبة والإحباط، حين يستغرق هيغنز في الحوار مع بيكرينغ، مهنئاً نفسه بكسب التحدي والنجاح، وتحرره من عبء الشهرين السابقين.

هروب إليزا

يعود هيغنز إلى بيت والدته مذعوراً، في اليوم التالي، بعد أن اكتشف هرب إليزا. وفي أثره والدها الذي ورث ثروة من المال. وهنا تشرح له والدته موقفه الأناني من إليزا واعتبارها كشيء من الأشياء، لتتحدث بعدها عن حيرة الشابة التي لا تعرف ماهية خطوتها التالية في الحياة، عقب هذه النقلة النوعية في حياتها.

موقف

تواجه إليزا كل من هيغنز وبيكرينغ، وتتبع في حوارها مع بيكرينغ، أسلوباً مشابهاً لحوار الرجلين في الليلة الماضية، إذ تنسب فضل نجاحها إليه، متعمدة تجاهل جهود هيغنز. ويدرك الأخير الصورة فيشتد غضبه منها. ويطلب عودتها لتتابع عملها عنده كسكرتيرة، لكنها ترفض الفكرة، وتغادر بلا عودة.

بالطبع، رفض الجمهور والمنتجون هذه النهاية غير السعيدة وطلبوا من شو تعديلها، لكنه رفض بإصرار، فكرامة إليزا واعتزازها بنفسها لا يتماشيان مع النهاية التي أضافها المنتجون، والتي تتوج بزواجها بهيغنز.

وتستمد المسرحية اسمها: بيغماليون، من قصة الشاعر الروماني أوفيد الشهيرة: "تحولات". إذ كان النحات بيغماليون يكره النساء، وفي أحد الأيام، نحت تمثالاً من العاج لامرأة تمثل الجمال. وسرعان ما وقع في حبه. وفي عيد الحب دعا آلهة الحب فينوس، إلى أن تحيي التمثال، ففعلت. ولما رجع من العيد وقابلها، سمى التمثال الحي "غالاتيا".

موقف

يعد الكاتب المسرحي جورج برنارد شو، الأديب الوحيد الذي جمع بين جائزة نوبل للآداب (1925) وجائزة أوسكار لأفضل الأفلام السينمائية في عام 1938، لعمله في الفيلم السينمائي الذي حمل اسم مسرحيته. إذ كتب السناريو بنفسه. وطلب شو أن تحول قيمة جائزة نوبل، إلى دعم ترجمة مسرحيات أوغست ستريندبرغ من السويدية إلى الانجليزية.


في السينما العالمية

1938 قُدم أول فيلم سينمائي من وحي المسرحية في بريطانيا، أخرجه أنطوني أسكويث مع ليزلي هاورد. وحمل اسم المسرحية، وكتب السيناريو جورج برنارد شو نفسه. وأدت دور إليزا فيه، الممثلة ويندي هيللر.

1956 استلهم الموسيقار فريديريك لويّ والكاتب آلن جيّ ليرني، من مسرحية «شو» عملهما: « سيدتي الجميلة»، وقدما عرضه في عام 1956، على مسرح «بروديّ»، إذ حقق العمل نجاحاً كبيراً، منذ العرض الأول.

1964 قدمت السينما الأميركية الفيلم، من إخراج جورج كوكر، بعنوان « سيدتي الجميلة». وهو من بطولة أودري هيبورن التي أدت دور إليزا. وريكس هاريسون الذي لعب دور البروفيسور هيغنز.

في المسرح والسينما العربية

1969 برع كل من الممثل فؤاد المهندس والممثلة شويكار، والكاتب بهجت قمر، في تقديم مسرحية «سيدتي الجميلة»، المقتبسة عن العمل نفسه، والتي تعد من روائع المسرحيات العربية الخالدة. ويحسب لقمر نجاحه في الإضافات على النص الأصلي، عبر مشاهد أعطت بعداً محلياً للعمل، من منظور مصري رفيع المستوى.

1975 فيلم «سيدتي الجميلة » من إخراج حلمي رفلة، ومن بطولة: نيللي ومحمود ياسين وعمر خورشيد وعماد حمدي، ولعب فيه ياسين دور أستاذ جامعي، يلتقي مع فتاة تعمل "تاجرة شنطة" وهي: (نيللي). فيحاول أن يجعل منها سيدة مجتمع.