السبت، 20 يوليو 2013

أعمال خالدة: مسرحة موت بائع متجول

«موت بائع متجول»

إخفاقات تكشف زيف الحلم الأميركي

ما الذي يميز مسرحية "موت بائع متجول"، لأحد أبرز عمالقة المسرح الأميركي، آرثر ميلر، ويجعلها من روائع الأدب العالمي؟ سؤال توافقت إجابات النقاد والأكاديميون فيه على قيمة وتأثير شخصية بطل المسرحية البائع ويلي لومان.
ومن خلال ويلي وعائلته، ينتقد ميلر، بصورة لاذعة، أحلام المجتمع الأميركي خلال الأربعينات من القرن العشرين، في النجاح والمنافسة، إذ يقاس النجاح والتميز بالمادة والثروات. ونظراً لأن ويلي لومان شخص محدود القدرات والإمكانات، فإنه يحاول إخفاء عجزه ومشاعر الإحباط، خلف أوهام الشعور بالعظمة والنجاح.
استلهم ميلر فكرة المسرحية من أحد أقربائه الذي كان يعمل بائعاً متجولاً، وحين عُرض العمل على مسرح برودواي، حقق نجاحاً فورياً، وحاز على جائزة "بوليتزر" الأدبية عام 1949، لتشكل مسرحيته هذه منعطفاً بارزاً في حياته الأدبية.
ومثل جميع الأعمال الكلاسيكية، فإن "موت بائع متجول" تصلح لمختلف الأزمنة والعصور. إذ تنتقد الرأسمالية ومعايير النجاح التي تعتمد على العنصر المادي وحده.
عائلة وأزمات
تبدأ المسرحية بعودة البائع العجوز ويلي لومان من أحد أسفار العمل، والذي مني بالفشل. وبعد أن كاد يتعرض لحادثين خلال قيادته السيارة، نجده يدرك أن عليه التوقف عن القيادة.
وحين تدرك زوجته ليندا، عدم قدرته على السفر كبائع جوال، تقترح عليه أن يطلب من رئيسه هاورد، نقله إلى العمل في مكاتب نيويورك حيث يقيمون.. ويرحب لومان بالفكرة، خاصة وأنه يعتبر نفسه من أكفأ البائعين في الشركة.
يتعرف القارئ أو المشاهد بعدها، ضمن العمل، على خلفية عائلة لومان، التي تضم زوجته ليندا وولديهما الشابين: بيف وهابي. وكان بيف قد عاد للتو إلى بيت العائلة، عقب عمله في مزرعة تقع في الغرب. ويعتقد ويلي أن بإمكان ابنه البكر بيف، أن يحقق النجاح والثروة بسهولة ويسر.
لكنه يهدر مواهبه وقدراته في العمل كسائق شاحنة. وفي ليلة عودته من رحلته، يبدأ ويلي في رؤية ومضات من ماضيه. ويتخيل مجموعة مشاهد يتحدث من خلالها مع أشخاص، كأنهم موجودين في الواقع.
ويدخل في جدل. ومن ثم يعلو صوته ويشرع في الصراخ.. يحس بيف بالمسؤولية ويجد أن عليه ترميم العلاقة مع والده، ويجدر به التصرف. وبذا يقرر الاستدانة من بيل أوليفر، أحد مديريه ليبدأ عمله (مشروعه) الخاص.
ومع استمرار حالة ويلي، تعترف ليندا لولديها، في أنها وزوجها، يقبعان في ضائقة مادية. والأسوأ، أن ويلي حاول الانتحار. وتحمل ولديها أسباب قلقها.. ويحتدم النقاش بينهما، ليبدأ جدل جديد بين بيف ووالده. وهنا يتدخل هابي فيخبر والده بمشروع بيف الجديد. ويشعر ويلي آنذاك، بالسعادة، ومن ثم يذهب الجميع إلى النوم.
وحين يقابل ويلي مديره، في اليوم التالي، ويطلب منه نقله، يفاجأ أنه يرد بطرده من العمل. ونتيجة الصدمة، يبدأ في الهلوسة. ويعود إلى الحديث مع أشخاص متخيلين في طريق عودته للقاء ولديه في أحد المطاعم.
كما يدرك بيف أن حلمه باستدانة المال لتأسيس عمله فكرة جنونية.. وأنه لن يتمكن مطلقاً من الحصول على قرض، وفوق كل ذلك، أنه وعائلته، عاشوا في كذبة كبيرة طيلة حياتهم.
وعندما يصل ويلي المطعم، ويسأل عن الأخبار السعيدة، يجد بيف صعوبة في إطلاع والده على الحقيقة، ويحاول ويلي العودة إلى أحلام الماضي، تحديداً تلك اللحظات التي اكتشف فيها ابنه بيف، علاقته مع إحدى النساء في بوسطن. وبينما كان الوالد غارقاً في أحلامه، يترك بيف وهابي والدهما، ويغادرانه صحبة صديقتين لهما.
"مجرد فاشل"
يعود الشقيقان لاحقاً إلى البيت ليجدا والدتهما في انتظارهما، ويلتقياها بينما الغضب يهيمن عليها لتركهما ويلي (الأب) في المطعم. وتتصاعد حدة الجدال بينهم.. ولا أحد يرغب في الاستماع إلى ما يود بيف قوله..
لكنه ينجح في توصيل وجهة نظره، المتمثلة في عدم قدرته على تحقيق توقعاتهم غير الواقعية بشأن مستقبله، وجعلهم يتقبلون الحقيقة في أنه مجرد إنسان فاشل.. وكذا كونه الوحيد الذي يدرك أنهم يعيشون في كذبة.
وتنتهي ليلة الجدل بإدراك ويلي، أنه على الرغم من فشل بيف فإن الأخير يحبه بعمق. وللأسف لا يستطيع ويلي تجاوز جزئية "الفشل". ويستغرق في أحلام جديدة، يرى فيها أن السبيل الوحيد ليحقق لابنه أحلامه، الانتحار. إذ يمكن لبيف، حينها، تحقيق مشروعه من خلال مال بوليصة التأمين.
وما هي إلا دقائق إلا وتسمع العائلة صوت اصطدام عنيف، ليكتشف الولدان وأمهما أن ويلي قتل نفسه بحادث سيارة متعمد (جراء السرعة الكبيرة).
"نحن أحرار"
ذهول كبير يعتري ليندا وهابي، خلال مراسم جنازة ويلي (الأب)، بفعل عدد المعزين الضئيل. وهنا يقول بيف، إن ويلي عاش أحلام غيره.. لكن شارلي، صديق ويلي- الموجود في المراسم- وجاره، يدافع عنه مؤكداً أنه كان ضحية لمهنته. وعندما يهم بيف في المغادرة، يباشر إلى دعوة هابي إلى العودة معه نحو الغرب.
لكن الأخير يرفض ويقرر البقاء في نيويورك لمتابعة إجراءات وأوراق موت والده. وفي الخضم، نجد ليندا تخاطب روح زوجها، سائلة إياه الغفران لها، لعدم قدرتها على البكاء. إلا أنها تنفجر فجأة بالنحيب. وتشرع تردد: "نحن أحرار...".
«عين المجتمع»
عدت أعمال آرثر آشر ميلر (1915 2005)، عين المجتمع الأميركي. وذلك من منطلق الجانب الإنساني الناضج والناضح فيها، خاصة في الحقبة ما بين 1940 و1950. وأيضاً خلال فترة بداية الستينات من القرن العشرين. وحازت أعماله على جوائز عديدة، من ضمنها: "بوليتزر للدراما".
ولد ميلر في كنف عائلة ثرية، لكنها فقدت ثروتها في مرحلة مراهقته.. وهو ما دفعه إلى خوض غمار جميع المهن والأعمال الصغيرة ليتمكن من متابعة دراسته. ومن ثم، عمل في مرحلة الدراسة الجامعية، في حقل الصحافة، وباشر، في تلك المرحلة، كتابة مسرحيته الأولى: "ما من أوغاد".
يتمثل العمل الأول الذي عرض لميلر على مسرح "برودواي"، في (الرجل الذي كان ينعم بكل الحظ).. في العام 1944. وأعقاب ذلك، فازت مسرحيته (كلهم أبنائي) بجائزة (دراما كريتيكس سيركل). وفي 1949 منح جائزتي بوليتزر و(دراما كريتيكس أوارد)، عن أشهر أعماله: (موت بائع متجول).
تزوج ميلر عام 1956 من الممثلة مارلين مونرو. وبعد انفصالهما سنة 1961، اقترن في عام 1962، بالمصورة النمساوية اينغبورغ موراث، التي توفيت في 2002، في مدينة نيويورك. ولديه ولدان من زوجته الأولى، ماري غريس سلاتيري، التي تزوجها عام 1940. وأيضاً اثنان، من اينغبورغ موراث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق